للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذَلِكَ إلَى مَوْضِعِ رِضَاهُ.

ثُمَّ يَتَجَاوَزُ بِك الْأَمْرُ حَتَّى تَصِيرَ إلَى مَوْضِعِ السُّرُورِ حَتَّى تَرَى لَوْ صُرِفَ ذَلِكَ الْأَمْرُ عَنْك لَصِرْت مِنْهُ إلَى تَقْوِيَةِ نَفْسِك، وَعَلِمْت أَنَّ مَا صُرِفَ عَنْك عُقُوبَةٌ لِبَعْضِ مَا أَحْدَثْت مِنْ ذُنُوبِك أَوْ قَصَّرْت فِيهِ عَنْ شُكْرِ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيْك فَصِرْت مِنْهُ إلَى الدَّرَجَةِ الرَّفِيعَةِ، وَمَنَازِلِ أَهْلِ الرِّضَا، وَإِنَّمَا يُوصَلُ إلَى ذَلِكَ بِالْمَعْرِفَةِ بِاَللَّهِ، وَبِمَعْرِفَتِهِ يَنْظُرُ إلَيْك فَتَعْلَمُ أَنَّك لَا نَظَرَ لَك مِنْ نَفْسِك فَتَرْضَى بِمَا رَضِيَ بِهِ، وَتَرْغَبُ فِيمَا رَغِبَهُ، وَتَزْهَدُ فِيمَا زَهِدَهُ، وَالزُّهْدُ مِنْ الرِّضَا قَالَ: قَدْ عَلِمْت فَضْلَ الرِّضَا، وَوَضَحَ لِي أَمْرُهُ، فَصِفْ لِي كَيْفَ يُهَوَّنُ عَلَيَّ أَمْرَ الصَّبْرِ فِي الزُّهْدِ؟ وَكَيْفَ مَأْخَذُهُ فَقَدْ أَرَانِي مَعَ مَا أَصِيرُ إلَيْهِ مِنْ الزُّهْدِ مُقِيمًا عَلَى الصَّبْرِ، وَأَزْدَادُ أَيْضًا مَعَ زُهْدِي فِي الدُّنْيَا أُمُورًا أَحْتَاجُ فِيهَا إلَى الصَّبْرِ مُخَالَفَةً لِهَوَائِي، وَرَفْضًا لِشَهَوَاتِي، وَمَا تُنَازِعنِي نَفْسِي مِنْ لَذَّاتِي فَقَدْ أَرَانِي ازْدَدْت ثِقَلًا، وَضَجَرًا قَالَ: أَرَاك لَا تَقْبَلُ مِنْ الْأُمُورِ إلَّا أَصْلَحَهَا، وَلَا تَرْضَى لِنَفْسِك إلَّا بِوَاضِحِهَا، وَلَا تَخْتَارُ مِنْهَا إلَّا أَرْشَدَهَا، وَذَلِكَ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي أَرْجُو لَك بِهَا الْقُوَّةَ، وَالنَّجَاحَ لِحَاجَتِك، وَالظَّفَرَ بِطَلَبَتِك، وَبُلُوغِك أَقْصَى الْغَايَةِ مِنْ إرَادَتِك فَافْهَمْ قَوْلِي، وَتَدَبَّرْ نُصْحِي فَإِنَّ الْحُجَّةَ فِي ذَلِكَ وَاضِحَةٌ، وَالْأَمْرَ فِيهِ بَيِّنٌ أَلَسْت تَعْلَمُ أَنَّ الدُّنْيَا كَانَتْ بَاقِيَةً فِي قَلْبِك، وَأَنَّ حُبَّهَا غَالِبٌ عَلَيْك، وَأَنَّ سُرُورَهَا فَرَحٌ لَك وَأَنَّ مَكْرُوهَهَا شَدِيدٌ عَلَيْك فَحَمَلْت نَفْسَك عَلَى قَطْعِ ذَلِكَ مَعَ حُبِّك لَهَا، وَإِيثَارِكَ لَهَا، وَنُزُلِهَا مِنْك مَعَ طَلَبِك الْفَضْلَ مِنْ احْتِمَالِ الصَّبْرِ، وَحَمَلْت نَفْسَك عَلَى الْمَكْرُوهِ مِنْ أَمْرِ دُنْيَاك، وَصَبَرْت عَلَيْهَا لِشِدَّةٍ مِنْهُ عَلَيْك؛ لِأَنَّ مَكْرُوهَهَا عِنْدَك مَكْرُوهٌ، وَلِأَنَّ سُرُورَهَا عِنْدَك سُرُورٌ فَثَقُلَ عَلَيْك الصَّوْمُ لِقَطْعِك الشَّهْوَةَ عَنْ نَفْسِك مِنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَثَقُلَتْ عَلَيْك الصَّلَاةُ.

وَالِاشْتِغَالُ بِهَا لِمَا تُسِرُّهُ إلَيْك نَفْسُك مِنْ اللَّهْوِ، وَالْحَدِيثِ فِي الْبَاطِلِ، وَثَقُلَتْ عَلَيْك الزَّكَاةُ وَالصَّدَقَةُ لِمَا تُحِبُّ أَنْ تَصْرِفَهُ فِيهِ مِنْ لَذَّاتِك، وَثَقُلَ عَلَيْك التَّوَاضُعُ لِمَا تَرَى مِنْ تَصْغِيرِ شَأْنِك، وَدَنَاءَةِ مَنْزِلَتِك عِنْدَ أَهْلِ الدُّنْيَا، وَثَقُلَ عَلَيْك

<<  <  ج: ص:  >  >>