الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ لِئَلَّا يُعَادِيَك النَّاسُ أَوْ يَنْقَطِعَ رَجَاؤُك مِنْهُمْ أَوْ يُسْمِعُونَك مَا تَكْرَهُ فَيَدْخُلُ عَلَيْك التَّنْغِيصُ فِي سُرُورِك، وَثَقُلَ عَلَيْك الْقُنُوعُ وَالرِّضَا لِعَظِيمِ مَوْقِعِ الدُّنْيَا مِنْ قَلْبِك، وَحُبِّك الْإِكْثَارَ مِنْهَا، وَحِرْصُك عَلَيْهَا، وَكَرَاهِيَتُك لِلْمَوْتِ وَنَعِيمِ مَا بَعْدَهُ مَعَ أَشْيَاءَ كَثِيرَةٍ يَطُولُ وَصْفُهَا، وَكُلُّ ذَلِكَ إنَّمَا صَارَ شِدَّتُهُ عَلَيْك لِحُبِّ الدُّنْيَا، وَإِنَّمَا ثَقُلَ عَلَيْك الصَّبْرُ وَمَلِلْته، وَضَيَّقَ الشَّيْطَانُ عَلَيْك الْمَذَاهِبَ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ لِأَنَّ سِلَاحَهُ الَّذِي بِهِ يَقْوَى، وَكَيْدَهُ الَّذِي يَصِلُ بِهِ إلَى أَهْلِ الدُّنْيَا الرَّغْبَةُ فِيهَا وَطَلَبُهَا، فَإِذَا أَنْتَ زَهِدْت فِي الدُّنْيَا، وَرَفَضْتهَا، وَرَغِبْت فِي الْآخِرَةِ، وَطَلَبْتهَا سَهُلَ عَلَيْك الْأَمْرُ فَآثَرْت الْآخِرَةَ، وَطَلَبْتهَا، وَرَغِبْت فِيهَا، وَأَدْبَرَتْ عَنْك الدُّنْيَا وَثِقَلُهَا، وَتَوَلَّتْ عَنْك هَارِبَةً بِبَلَائِهَا، وَأَتَتْك بِمَنَافِعِهَا، وَصَرَفَتْ عَنْك شُرُورَهَا بِرَغْمٍ مِنْهَا، وَانْقَطَعَ رَجَاءُ الشَّيْطَانِ، وَصَغُرَ كَيْدُهُ وَوَلَّى، وَقَلَّ سِلَاحُهُ فَلَا قُوَّةَ لَهُ بِك، وَنَجَوْت بِعِصْمَةِ اللَّهِ، وَتَوْفِيقِهِ مِنْ الضِّيقِ، وَالتَّعْسِيرِ، وَالْهَلَكَةِ، وَصِرْت إلَى النِّعْمَةِ، وَالسُّرُورِ، وَالرَّاحَةِ، وَخَرَجَ حُبُّ الدُّنْيَا مِنْ قَلْبِك فَلَزِمْت الصِّيَامَ، وَخَفَّ عَلَيْك؛ لِأَنَّهُ لَمْ تَكُنْ نَفْسُك تَنْشَرِحُ إلَى الْأَكْلِ، وَالشُّرْبِ، وَغَيْرِهِمَا مِنْ الشَّهَوَاتِ، وَلَزِمْت الصَّلَاةَ، وَاشْتَغَلْت بِهَا؛ لِأَنَّ نَفْسَك لَمْ تَكُنْ تُنَازِعُك إلَى اللَّهْوِ أَوْ الْخَلْوَةِ إلَى حَدِيثٍ فِي بَاطِلٍ، وَخَفَّتْ عَلَيْك الزَّكَاةُ وَالصَّدَقَةُ؛ لِأَنَّك أَعْدَدْت مَا قَدَّمْته أَمَامَك، وَلَا تُرِيدُ مِنْهُ شَيْئًا يَبْقَى خَلْفَك.
وَخَفَّ عَلَيْك التَّوَاضُعُ لِأَنَّ الْإِيَاسَ قَدْ خَرَجَ مِنْ قَلْبِك، وَهَانَ عَلَيْك الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ؛ لِأَنَّ النَّاسَ قَدْ اسْتَوَوْا عِنْدَك فَلَمْ تَرْجُ أَحَدًا غَيْرَ رَبِّك، وَلَمْ تَخَفْ شَيْئًا غَيْرَهُ، وَخَفَّ عَلَيْك الْقُنُوعُ؛ لِأَنَّك رَضِيت مِنْ الدُّنْيَا بِالْيَسِيرِ، وَلَمْ تُنَازِعْك نَفْسُكَ إلَى غَيْرِ الْبَلَاغِ وَالْكِفَايَةِ، وَخَفَّ عَلَيْك الْجِهَادُ؛ لِأَنَّ الدُّنْيَا قَدْ أَخْرَجْتهَا مِنْ قَلْبِك، وَكَرِهْت الْبَقَاءَ فِيهَا، وَأَحْبَبْت الْمَوْتَ لِمَا تَرْجُو مِنْ النَّعِيمِ وَالسُّرُورِ وَالْحَيَاةِ الدَّائِمَةِ الَّتِي أَمَامَك، فَالزُّهْدُ فِي الدُّنْيَا رَاحَةٌ لِلْقَلْبِ، وَالْبَدَنِ، وَهُوَ جِمَاعُ الْخَيْرِ، وَتَمَامُهُ، وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ أَعْمَالِ الْبِرِّ إلَّا وَلَهُ ضِدٌّ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute