للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خِيَارَ الْكَلَامِ كَمَا تُنْتَقَى أَطَايِبُ الثَّمَرِ. وَرُوِيَ عَنْ بِلَالِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّهُ قَالَ: زَاهِدُكُمْ رَاغِبٌ، وَمُجْتَهِدُكُمْ مُقَصِّرٌ، وَعَالِمُكُمْ جَاهِلٌ، وَجَاهِلُكُمْ مُغْتَرٌّ، وَقَالَ بَعْضُ الْحُكَمَاءِ: جَاهِدْ نَفْسَك بِأَصْنَافِ الرِّيَاضَةِ، وَالرِّيَاضَةُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ: الْقُوتِ مِنْ الطَّعَامِ، وَالْغَمْضِ مِنْ الْمَنَامِ، وَالْحَاجَةِ مِنْ الْكَلَامِ، وَحَمْلِ الْأَذَى مِنْ جَمِيعِ الْأَنَامِ، فَيَتَوَلَّدُ مِنْ قِلَّةِ الطَّعَامِ مَوْتُ الشَّهَوَاتِ، وَمِنْ قِلَّةِ الْمَنَامِ صَفْوُ الْإِرَادَاتِ، وَمِنْ قِلَّةِ الْكَلَامِ السَّلَامَةُ مِنْ الْآفَاتِ، وَمِنْ احْتِمَالِ الْأَذَى الْبُلُوغُ إلَى الْغَايَاتِ فَلَيْسَ عَلَى الْعَبْدِ شَيْءٌ أَشَدَّ مِنْ الْحِلْمِ عِنْدَ الْجَفَاءِ، وَالصَّبْرِ عِنْدَ الْأَذَى.

، وَقَالَ عِيسَى - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: طُوبَى لِمَنْ خَزَنَ لِسَانَهُ، وَوَسِعَهُ بَيْتُهُ، وَبَكَى عَلَى خَطِيئَتِهِ، وَقَالَ الْفَرَبْرِيُّ اجْتَمَعَ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ عَلَى بَابِ الْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ فَاطَّلَعَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُوَّةٍ، وَهُوَ يَبْكِي، وَلِحْيَتُهُ تَرْجُفُ فَقَالَ: عَلَيْكُمْ بِالْقُرْآنِ عَلَيْكُمْ بِالصَّلَاةِ، وَيْحَكُمْ لَيْسَ هَذَا زَمَانَ حَدِيثٍ إنَّمَا هُوَ زَمَانُ بُكَاءٍ وَتَضَرُّعٍ وَاسْتِكَانَةٍ وَدُعَاءٍ كَدُعَاءِ الْغَرِيقِ إنَّمَا هَذَا زَمَانٌ احْفَظْ فِيهِ لِسَانَك، وَاخْفِ مَكَانَك، وَعَالِجْ قَلْبَك، وَخُذْ مَا تَعْرِفُ وَدَعْ مَا تُنْكِرُ. وَقَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَنْ أَبْكِي مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ تَعَالَى حَتَّى تَسِيلَ دُمُوعِي عَلَى خَدِّي أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِجَبَلٍ مِنْ ذَهَبٍ، وَقَالَ وَهْبُ بْنُ مُنَبِّهٍ فَقَدَ زَكَرِيَّا ابْنَهُ يَحْيَى - عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - فَوَجَدَهُ بَعْدَ ثَلَاثٍ مُضْطَجِعًا عَلَى قَبْرٍ، وَهُوَ يَبْكِي فَقَالَ لَهُ: مَا هَذَا يَا بُنَيَّ؟ فَقَالَ: أَخْبَرْتنِي أَنَّ جِبْرِيلَ أَخْبَرَك أَنَّ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ مَفَازَةً لَا يُطْفِئُ حَرَّهَا إلَّا الدُّمُوعُ فَقَالَ: ابْكِ يَا بُنَيَّ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - لَأَنْ أَدْمَعَ دَمْعَةً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِأَلْفِ دِينَارٍ. وَقَالَ إبْرَاهِيمُ بْنُ أَدْهَمَ: إنَّ لِلذُّنُوبِ ضَعْفًا فِي الْقُوَّةِ، وَظُلْمَةً فِي الْقَلْبِ وَإِنَّ لِلْحَسَنَاتِ قُوَّةً فِي الْبَدَنِ، وَنُورًا فِي الْقَلْبِ. وَقِيلَ لِسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: لَوْ دَعَوْت اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ: تَرْكُ الذُّنُوبِ هُوَ الدُّعَاءُ، وَأَنْشَدُوا

خُلِقْت مِنْ التُّرَابِ فَصِرْت حَيًّا ... وَعُلِّمْت الْفَصِيحَ مِنْ الْخِطَابِ

<<  <  ج: ص:  >  >>