واعلم أن أقسام البكاء ثمانية؛ لأنه: إما بصوت أو غيره، وفي كل إما اختيارا، أو غلبة، وفي كل إما لتخشع، أو مصيبة؛ فما لا صوت فيه لا يبطل اختيارا أو غلبة، تخشعا أم لا. وينبغي إلا أن يكثر الاختياري فإن كثر ضر، وما بصوت يبطل إن كان اختيارا مطلقا، وإلا أبطل إن كان لمصيبة لا لتخشع، ظاهره ولو كثر، والتنهد غلبة مغتفر ولغيرها عمدا أو جهلا مبطل، وسهوا سجد غير المأموم، ولو حرك شدقيه وشفتيه من غير كلام أو تنفس أو نفخ من الأنف عند امتخاطه لم تبطل، ولو نهق أو نعق من غير حركة لسانه وشفتيه بطلت. كما مر قريبا.
ولما قدم أنه يجوز للمصلي رد السلام إشارة، شبه به أنه يجوز لغير المصلي السلام على المصلي ابتداء، فقال: كسلام على مفترض؛ يعني أنه يجوز السلام أي ابتداء به على المصلي فرضا، وأولى نافلة. قاله الإمام في المدونة، ودليله (أنه صلى الله عليه وسلم خرج إلى قباء فسمعت به الأنصار فجاءوا فسلموا عليه وهو يصلي فرد عليهم إشارة بيده (١))، وقد روى زياد عن مالك أنه كره أن يسلم على المصلي وأن يرد المصلي على من سلم عليه إشارة برأس أو بيد أو بشيء، وقد تقدم دليله عند قوله:"وإشارة لسلام أو حاجة"، فراجعه إن شئت. وقوله:"كسلام على مفترض"، تشبيه في الجواز فقط لا في الجواز ونفي السجود؛ إذ الفرض أن المسلم ليس في صلاة، ولذا كان المناسب ما سلكه المصنف من ترك العاطف كما أشار له ابن غازي. قاله الشيخ عبد الباقي. وقال الشيخ إبراهيم: وهذه المسألة أجنبية. انتهى. وعطف على ما لا سجود فيه، قوله: ولا لتبسم؛ يعني أنه لا سجود لأجل تبسم حصل في الصلاة سهوا أو عمدا، لكن يكره عمده إن قل فيهما، وإن كثر أبطل ولو سهوا، فإن توسط سجد في سهوه؛ وهوأول الضحك وانشراح الوجه وإظهار الفرح. وقوله:"ولا لتبسم"، وعن مالك: يسجد، وهل قبلُ وهو لأشهب، أو بعدُ وهو لسحنون؟ قولان. الأقفهسي: الضحك على وجهين بغير صوت؛ وهو التبسم، وبصوت؛ وهو المراد بقول الرسالة: ومن ضحك في الصلاة أعادها، ولم يعد الوضوء. وفي النوادر: قال أصبغ لا شيء في
(١) أبو داود، كتاب الصلاة، رقم الحديث: ٩٢٧. ابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة، رقم الحديث: ١٠١٧.