للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يحتمل أن يكون الخوف منه جعل الجماعة شرطا في صحة النفل بالليل، أو يكون الخوف منه افتراض قيام الليل كفاية، أو يكون المخوف افتراض قيام رمضان خاصة، وأقواها الأول في نظري. انتهى. باختصار. وما ادعى أنه أقرب هو أبعد من لفظ الحديث قاله الشبراخيتي. وقول عمر رضي الله عنه: نعمت البدعة. اعلم أنها في الحقيقة لم تكن بدعة؛ لأنه صلى الله عليه وسلم جمع بالناس، إلا أنه ما واظب خشية أن تفرض عليهم، فلما زالت العلة بأمنهم تجدد الأحكام بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، وعلموا ما هو مقصوده، وقعت المواظبة في الجمع بعد وفاته عليه الصلاة والسلام؛ وهي أمر لم يكن فسميت بذلك بدعة. والله سبحانه أعلم. وفي الحديث: (من قام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه (١)). وفي حديث آخر: (من صامه وقامه احتسابا وجبت له الجنة)، وفيه: (من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه (٢)). وقالت عائشة رضي الله عنها: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجتهد في رمضان ما لا يجتهد في غيره، وفي العشر الأواخر أشد، وكان يحيي ليله، ويوقظ أهله، ويشد مئزره (٣)). رواه الخمسة. وشد المئزر كناية عن اجتناب النساء، أو عن الجد والاجتهاد في العمل، وعن أنس رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقوم في رمضان، فجئت فقمت إلى جنبه فجاء رجل آخر فقام أيضا حتى كنا رهطا، فلما أحس أنا خلفه جعل يتجوز في الصلاة، ثم دخل رحله فصلى صلاة لا يصليها عندنا، فقلت له حين أصبحت: أفطنت لنا الليلة؟ قال: نعم، ذلك حملني على ما صنعت (٤)). أخرجه مسلم التجوز؛ الإسراع في العمل والتخفيف. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على الناس في رمضان وهم يصلون في ناحية المسجد، فقال: ما هؤلاء؟ قيل: ناس ليس معهم قرآن، وأبي بق كعب يصلي بهم،


(١) البخاري، كتاب صلاة التراويح، رقم الحديث: ٢٠٠٩. مسلم، كتاب صلاة المسافرين، رقم الحديث: ٧٥٩.
(٢) البخاري، كتاب الصوم، رقم الحديث: ١٩٠١. مسلم، كتاب صلاة المسافرين، رقم الحديث: ٧٦٠.
(٣) التيسير، ج ٢ ص ٢١٩.
(٤) مسلم، كتاب الصيام، رقم الحديث: ١١٠٤.