وأما على قول من قال: إن المكان من الفضاء يكون مسجدا، ويسمى مسجدا بتعيينه وتحبيسه للصلاة فيه كما يقتضيه أول الحل، فلا يكون صفة كاشفة. والبوص بالضم: ثمر نبات. قاله في القاموس. قال الشيخ محمد بن الحسن: ولعل المراد هنا النبات الذي هو أصله مجازا. انتهى. والمراد بالجامع الموضع الذي أمر الإمام بإقامة الجمعة فيه، اتفق أهل البلد على إقامة الجمعة فيه أم لا. انتهى. وسئل سحنون عن القرية يكون فيها مسجد فيريد قوم آخرون أن يبنوا فيها مسجدا آخر، هل لهم ذلك؟ فقال: إن كانت القرية تحتمل مسجدين لكثرة أهلها ويكون فيها من يعمر المسجدين جميعا الأول والآخر فلا بأس به، وإن كان أهلها قليلا يخافون تعطيل المسجد الأول فلا يوجد فيها من يعمره، فليس لهم ذلك. قاله الرهوني. ونقل عن اللخمي: أنه إن كان البلد واسعا ويشق على من بعد منه الجامع الوصول إليه، كان بناء المسجد في تلك المحلة مندوبا إليه؛ لأن إقامة الجماعة ليست على الأعيان. انتهى.
متحد، صفة لجامع؛ يعني أنه لابد في الجامع المذكور من أن يكون متحدا، فلا يجوز أن تتعدد الجوامع في بلد على المشهور، وإنما لم يجز التعدد في المصر الواحد وإن عظم، رعاية لما كان عليه السلف، وجمعا للكلمة، وطلبا لجلاء صَدَإِ القلوب بالمواعظ واتعاظ الغني والغوي والطالح بغيرهم، وأجاز التعدد يحيى بن عمر وقال المصنف: لا أظنهم يختلفون في جواز التعدد في مثل مصر وبغداد.
والجمعة للعتيق؛ هذا مفهوم قوله "متحد"؛ يعني أنه إذا صليت الجمعة في مساجد متعددة، فإن الجمعة إنما تصح للذين صلوها في العتيق، وتبطل جمعة من عداهم. والعتيق هو الذي أقيمت فيه الجمعة قبل غيره، وإن تأخر بناؤه عن بناء غيره وإن تأخر أداء؛ تمييز محول عن الفاعل؛ وهو ضمير يعود على العتيق؛ يعني أنه إذا صليت الجمعة في العتيق وغيره، فإن الجمعة تصح لأهل العتيق دون غيرهم، ولا فرق في ذلك بين أن يسبق أهل العتيق غيرهم بهذه الجمعة، وبين أن يسبقهم الغير بها أو يساووهم. وسواء كان السلطان في العتيق أو في غيره، فالصور ست: تصح الجمعة فيها لأهل العتيق، وتبطل على غيرهم.