للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واعلم أن الجواز في هذه الأمور من قوله: "وإقبال على ذكر"، إلى هنا، مصبه الإقدام عليه في هذه الحالة، وإلا فهو في نفسه مطلوب، وقوله: "كحمد عاطس"، الحمد مطلوب هنا كما علمت؛ لأن الخطبة أوسع من الصلاة بدليل إبطالها بالكلام دون الخطبة. ونهي خطيب؛ يعني أنه يجوز للخطيب أن ينهى غيره في حال الخطبة، كما يجوز نهيه لغيره، يجوز له أمره في حال الخطبة.

وبما قررت علم أن كلا من قوله: "ونهي"، "وأمر" مرفوع معطوف على قوله: "تخط". والإضافة فيهما من إضافة المصدر لفاعله لا مجرور عطف على مدخول الكاف من قوله: "كتأمين"؛ لأنه من المندوب، وإن اقتضى المصنف جوازه، وهذان الأخيران جائزان فقط، والأول كقوله: لا تتكلم، والثاني نحو: أنصت، والأصل في هذا قوله صلى الله عليه وسلم للذي تخطى رقاب الناس: (اجلس فقد آذيت (١)): ولسليك: (أصليت؟ فقال: لا، قال: فَصَلَّ ركعتين، فتجَوَّزْ فيهما (٢)). وإجابته؛ يعني أنه يجوز لمن كلمه الخطيب في أمر أو نهي أن يجيبه، ولا يعد كل منهما لاغيا، ودليله: سؤاله صلى الله عليه وسلم لسليك، وإجابة سليك له، وقوله: "وإجابته"، من إضافة المصدر لمفعوله، والضمير فيه للخطيب، فإن قلت الإجابة في الحديث في غير أمر ونهي؟ فالجواب أنها في المعنى متعلقة بأمر، وإذا وقف الخطيب في الخطبة فإنه لا يرد عليه أحد؛ لأنها إجابة من غير طلب منه، وفي المدونة لمالك: لا بأس أن يتكلم الإمام في خطبته بأمر أو نهي يأمر به الناس أو يعظهم به، ولا يكون لاغيا. انتهى. وليس للخطيب أن يتكلم بغير الأمر والنهي، واستظهر بعضهم أنه إذا وقف الخطيب في الخطبة واستطعم، وطلب الفتح، فإنه يفتح عليه، ولا يكون لاغيا، كما يؤخذ من قوله: وإجابته؛ لأنه طالب حكما، وأما إجابة الخطيب لغيره فتجوز فيما إذا سأله شخص عن مسألة تتعلق بدينه لكن جوابا لا طول فيه بحيث يخرج عن نظام الخطبة. قاله الخرشي. وصوب الرهوني ما لعبد الباقي، فإنه قال: وفي النوادر، قال


(١) أبو داود، كتاب الصلاة، رقم الحديث: ١١١٨.
(٢) البخاري، كتاب الجمعة، رقم الحديث: ٩٣١. أبو داود، كتاب الصلاة، رقم الحديث: ١١١٦.