للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ابن حبيب: ولا يلقن فيما تعايا فيه من الخطبة، وأما ما يقرأ فيها من القرآن فلا بأس أن يلقن فيه، وقال الحطاب قال ابن حجر في فتح الباري في حديث الذي سأل النبي صلى الله عليه وسلم وهو يُحَدِّث فمضى في حديثه ما نصه: أخذ بظاهر القصة مالك وأحمد وغيرهما في الخطبة، فقالوا: لا يقطع الخطبة سؤال سائل، بل إذا فرغ يجيبه.

وفصل الجمهور بين أن يقع في أثناء واجباتها فيؤخر الجواب، أو في غير الواجبات فيجيب، ثم قال: والأولى التفصيل، فإن كان مما يهتم به في أمر الدين، ولاسيما إن اختص بالسائل فتستحب إجابته ثم يتم الخطبة، وكذا بين الخطبة والصلاة، وإن كان بخلاف ذلك فيؤخر إجابته، وكذا يقع في أثناء الواجب، ما يقتضي تقديم الجواب لكن إذا أجاب استأنف على الأصح، ويؤخذ ذلك كله من اختلاف (١) الواردة في ذلك، فإن كان السؤال من الأمور التي ليست معرفتها على الفور بمهتم به يؤخر كما في هذا الحديث، ولاسيما إن كان ترك السؤال أولى، وإن كان السائل به ضرورة ناجزة فيقدم إجابته، كما في حديث أبي رفاعة عند مسلم أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب: (رجل غريب لا يدري دينه، جاء يسأل عن دينه فترك خطبته، وأتي بكرسي فقعد عليه فجعل يعلمه، ثم أتى خطبته فأتم آخرها) (٢) انتهى.

ومن إجابة الخطيب لغيره قول علي رضي الله عنه على المنبر لسائله: "صار ثمنها تسعا"، وفهم مما تقدم أن الخطيب إذا طلب الفتح يفتح عليه. قاله الشيخ عبد الباقي، وقد مرت الإشارة إلى ذلك. وكره ترك طهر فيهما؛ يعني أن الطهر ليس شرطا في الخطبتين، فلذا لو خطب محدثا حدثا أصغر أو أكبر، أجزأ ذلك مع الكراهة أي كراهة ترك التطهر للخطبتين، وحرمة مكثه جنبا بالمسجد لا يقتضي بطلان الخطبة، فتتعلق به الحرمة والكراهة من جهتين مختلفتين، كما تتعلق الحرمة والندب من جهتين مختلفتين بصلاة نافلة لمن عليه فوائت، قاله الشيخ عبد الباقي.


(١) في الحطاب ج ٢ ص ٤٥٩ ط دار الرضوان: اختلاف الأحاديث.
(٢) مسلم، كتاب الجمعة، رقم الحديث: ٨٧٦.