واعلم أن محل ما ذكره المصنف من كراهة هذه الأمور من تطيين القبر وما بعده، حيث عريت عن قصد. وإن بوهي به حرم؛ يعني أنه إذا لم تَعْرَ هذه الأمور المذكورة من تطيين القبر، وتبييضه، والبناء عليه، والتحويز عن قصد بل قصد بها المباهاة، فإنها تحرم ولا يجوز شيء منها مع القصد للمباهاة، فتحرم بالأراضي الثلاث المتقدمة، وبموقوفة للدفن صرح بوقفيتها أو أرصدت له من غير تصريح، ووجب هدم ما حرم، وقوله:"وإن بوهي به حرم"، مثله ما إذا رفع بحيث يأوي إليه أهل الفساد -كما مر-. وجاز للتمييز؛ يعني أن هذه الأمور المذكورة من تطيين القبر وما بعده؛ إذا فعلت للتمييز فإنها جائزة. قاله غير واحد.
فتحصل من كلامهم أن الأمور المذكورة لها ثلاثة أحوال: تكره من غير قصد، تحرم مع قصد المباهاة، تجوز للتمييز. والله سبحانه أعلم. وقوله:"وجاز للتمييز"، سواء كانت الأرض مملوكة أو مباحة أو مسبلة للدفن؛ وهو الذي يفهم من كلام اللخمي وغيره. كحجر؛ يعني أن وضع الحجر على القبر ليعرف به صاحبه لا بأس به. أو خشبة؛ يعني أن وضع الخشبة على القبر ليعرف به صاحبه لا بأس به. فقوله:"كحجر أو خشبة"، تشبيه في الجواز -كما علم من التقرير- ومحل جواز وضع الحجر أو الخشبة على القبر حيث كان. بلا نقش؛ أي إنما يجوز وضع الحجر على القبر حيث كان لا نقش فيه، وكذا وضع الخشبة على القبر فإنما يجوز حيث كان الخشبة لا نقش فيه، وأما إن كان فيه نقش أي كتابة لاسمه أو صفته أو أخلاقه أو تاريخ موته فإنه يكره وضع ما ذكر عليه بسبب النقش، وإن بوهي به حرم. وفي الشارح: واحترز بقوله: "بلا نقش"، عما إذا وضع عليه حجر منقوش أو خشبة مكتوب عليها فإنه يكره. وقاله ابن القاسم. انتهى. فيشمل المنقوش بأي شيء، وكذا يفيده غير واحد.
وقد وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده الكريمة حجراً عند رأس عثمان بن مظعون، وقال:(أعلم به قبر أخي وأدفن إليه من مات من أهلي (١))، وفي الخرشي: وكما جاز البناء والتحويز للتمييز فأولى التطيين والتبييض، ويجوز وضع الحجر والخشبة والعود على القبر بلا نقش، وفيه أيضًا: ومفهوم قوله: "بلا نقش"، الكراهة مع النقش، وظاهره ولو قرآناً. وينبغي الحرمة لأنه
(١) أبو داود، كتاب الجنائز، الحديث: ٣٢٠٦. ولفظه: أتعلم بها إلخ وفي نسخة عون المعبود: أُعلِم بها إلخ.