والأصل في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم:(زملوهم بكلومهم فإنه يبعث يوم القيامة اللون لون الدم والريح ريح المسك (١))، وقوله:"ولا يغسل"، وكذا لا يحنط ولا فرق فيما ذكر بين الرجل والمرأة والبالغ والصبي، وقوله:"ولا يغسل"، سواء قاتل لدنيا كنية حمية أو غنيمة أو غلول أو إشهار لشجاعته، أو لدنيا وآخرة معاً كما إذا قاتل لإعلاء كلمة الله تعالى وللغنيمة معاً. واحترز بقوله:"معترك"، عن الشهيد الذي قتل بغير معترك، فيغسل ويصلى عليه عند ابن القاسم؛ وهو مقتضى موضع من المدونة، وروى ابن وهب: لا يغسل شهيدُ كافرٍ حربي بغير معركة رجلاً أو امرأة أو صبياً لكونه له حكم من قتل بالمعركة وهو نص المدونة في محل آخر، وتبعه سحنون وأصبغ قائلاً: ابن وهب: أعلم بهذا وشبهه من الآثار من جميع أصحاب ملك، وإنما صلي على عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع أنه مقتولُ كافرِ؛ لأنه رفع حيًّا وعاش ولم يمت بفور القتل، وليس قاتله بحربي قبل قتله، وتبعهم ابن يونس وابن رشد، ونحا القرطبي إليه فتمنى أنه لم يكن غسل أباه وصلى عليه حين قتله عدو كافر بقرطبة حين أغار عليها كفار والنّاس في أحراثهم على غفلة، ومن ذلك أسرى نصارى بأيدي المسلمين أغاروا بأسكندرية وقت صلاة الجمعة والمسلمون في صلاتها وقتلوا مسلمين سنة اثنين وخمسين وألف، كما أفتى بعدم غسلهم والصلاة عليهم علي الأجهوري. فقط؛ يعني أن الشهيد الذي لا يغسل ولا يصلى عليه هو الذي مات في المعترك دون الذي قتله الكفار بغير المعترك، كما مر عن ابن القاسم، ويمكن تمشية المصنف على ما لابن وهب بجعل قتيل الحربي المذكور شهيد معترك مجازاً، وَيكون حينئذ قوله:"فقط"، محترزا به عن الغريق والحريق والمبطون وبقية شهداء الآخرة. قال الشيخ عبد الباقي: ولو قال: ولا يغسل قتيل كافر حربي ولو بغير مقاتلة أو على فراشه وإن أجنب على الأحسن، لجرى على ما لابن وهب صريحاً، ولا يرد على ذلك أنه يفهم تغسيل قتيل مسلم يظنه كافراً، مع أن المعتمد عدم تغسيله والصلاة عليه؛ لأن هذا تفصيل في مفهوم كافر فلا يعترض به، وأما قتيل كافر مضروب عليه الجزية فيغسل قطعا. انتهى. قوله: مع أن المعتمد عدم تغسيله؛ أي قتيل مسلم،
(١) إني أشهدُ على هؤلاء، زملوهم بكلومهم ودمائهم. مسند أحمد، ج ٥ ص ٤٣١. الموطأ، كتاب الجهاد، الحديث: ١٠٠١. ولفظه: والذي نفسي بيده لا يُكلم أحد في سبيل الله والله أعلم بمن يُكلم في سبيله إلا جاء يوم القيامة وجرحه يثغب دماً اللون لون دم والريح ريح المسك.