للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله بعده أو قتله مسلم يظنه كافراً أو درسته الخيل إلخ، قال الشيخ محمد بن الحسن: فيه نظر، ولم يقل المواق والحطاب في الصورتين إلا أنه يغسل ويصلى عليه، فهو المعتمد. انتهى.

والشهيد فعيل إما بمعنى فاعل لشهادته كرامة الله له، أو لشهادته الحساب فلا يحاسب، أو لشهادة روحه دار السلام وروح غيره إنما تشهدها يوم القيامة، أو بمعنى مفعول لقوله صلى الله عليه وسلم في قتلى أحد: (أنا شهيد على هؤلاء (١))، أو لشهادة ملائكة الرحمة له، أو لشهادة حاله بصدق نيته، أو لأن معه شاهدا وهو الدم فإنه يبعث وهو يثعب دماً، أو لسقوطه على الشاهدة وهي الأرض. قاله الشبراخيتي.

واعلم أن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم على حمزة خصوصية؛ (لأنه صلى الله عليه وسلم كبر عليه سبعين تكبير (٢)) (وأباح النياحة عليه (٣)) قاله الشبراخيتي أيضًا. وقال عند قوله: "معترك"، لا مفهوم له؛ لأن من قتله الكافر ولو غير حربي من غير مقاتلة كذلك كما في المدونة، فشمل من قتله العدو في منزلة من غير ملاقاة ولا عراك، ومن هجم عليه الكفار وهو نائم فقتلوه؛ وهو قول ابن وهب وأصبغ وسحنون، خلافًا لابن القاسم فالمراد بالمعترك ما هو مظنة الاعتراك لا حصوله بالفعل.

وأما الصلاة علي عمر وقد قتله كافر فلأنه عاش ولم يمت بفور القتل، وقال الرجراجي: إن عمر لم يصل عليه، وفي الخرشي ما يخالف ما مر عن الشبراخيتي أيضا؛ وهو أنه غزا المشركون المسلمين يوم أحد ولم يصل عليهم، وقيل لمالك: أبلغك أنه عليه الصلاة والسلام صلى على حمزة فكبّر سبعين تكبيرة؟ فقال: لا، ولا على أحد من الشهداء. انتهى.

وفي الشبراخيتي: واعلم أن الشهداء ثلاثة: شهيد دنيا وآخرة، وشهيد دنيا فقط، وشهيد آخرة فقط. فشهيدهما كمن قاتل لإعلاء كلمة الله تعالى صحبه قصد الغنيمة أم لا، وشهيد الدنيا فقط كمن قاتل لقصد الغنيمة فقط، أو ليظهر شجاعته، أو لحمية قومه، أو للذب عن ماله أو أهله، أو لصون عرضه، أو نحو ذلك؛ فهذان لا يغسلان ولا يصلى عليهما. والثالث يغسل ويصلى عليه، وذلك كالغريق أي الميت غرقا في الماء، والحريق أي الميت بحرق النار، والمبطون أي صاحب


(١) البخاري، كتاب الجنائز، الحديث: ١٣٤٣.
(٢) الجامع الكبير للسيوطي، الحديث: ٣٥٧١٦
(٣) سنن ابن ماجه، كتاب الجنائز، الحديث: ١٥٩١.