والآثار الواردة في الشهداء كثيرة، وفي كل ما ليس في الآخر، وجمع بينها إبراهيم بن شبيب جمعاً حسنًا أنهم يتمتعون بضروب من النعيم مختلفة، فمنهم من هو طائر يعلق من شجر الجنة، ومنهم من هو في حواصل طير خضر، ومنهم من يأوي إلى قناديل تحت العرش، ومنهم من هو في حواصل طير بيض، ومنهم من هو في حواصل طير كالزرازير، ومنهم من هو في أشخاص وصور من صور الجنة، ومنهم من هو في صور تخلق لهم من ثواب أعمالهم، ومنهم من تروح روحه وتتردد إلى جثتها تزورها، ومنهم من يتلقى أرواح المقبوضين، ومنهم من هو في كفالة آدم، ومنهم من هو في كفالة إبراهيم.
واعلم أن المراد من كون أرواحهم في حواصل طير أنها تركب تلك الطير، أو أن المراد بها كالطير في سرعة قطع المسافة البعيدة لأن أرواحهم لها أجنحة، أوأنها تعمر أجساما أخر غير أجسامها، فَتُدَبِّرهَا، ليلاً يلزم التناسخ. وقال ابن يونس بعد الرد على القائلين بالتناسخ -أبعدهم الله تعالى- ما نصه: وأما حديث في حواصل طير خضر فليس بصحيح إلى آخر كلامه. لا إن رفع حيا؛ يعني أن من رفع من المعترك حيًّا أي حمل وذهب به عن موضع القتال، ثم مات بعد ذلك فإنه يغسل ويصلى عليه، فمحل عدم تغسيل الشهيد إنما هو حيث مات بالمعترك، وأما إن لم يمت به فإنه يغسل ويصلى عليه ولو كان حين رفع منفوذ المقاتل، وإليه أشار بقوله: وإن أنفِذت مقاتله؛ يعني أنه إذا رفع حيًّا فإنه يغسل ويصلى عليه، وإن كان قد رفع منفوذ المقاتل. ومفهوم قوله:"رفع حيًّا"، أنه لو بقي مرميا بالمعركة حتى مات لم يغسل، وهو كذلك على المعتمد خلافًا لأشهب. وقوله:"وإن أنفذت مقاتله"، كأن قطع نخاعه، أو نثر دماغه، أو قطع مصيره. إلا المغمور؛ يعني أنه إذا رُفِعَ حيًّا وهو مغمور، فإنه لا يغسل، رفع منفوذ المقاتل أم لا، فهو مستثنى من قوله:"لا إن رُفِعَ حيًّا"، ومن قوله:"وإن أنفذت مقاتله"، والمغمور هو الذي لم يأكل ولم يشرب ولم يتكلم حتى مات.
واعلم أن الأقسام أربعة: رفع حيا؛ وهو مغمور لا يغسل ولا يصلى عليه، منفوذ المقاتل، أم لا، رفع حيًّا منفوذ المقاتل؛ وهو غير مغمور يغسل على ما قال المصنف، وقال الشيخ عبد الباقي والخرشي والشبراخيتي: إنه لا يغسل، وعبارة عبد الباقي: المذهب أن منفوذها لا يغسل رفع مغمورا