للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأيمن، وعلى واجده بالبر دفنه، وقوله: "به"؛ أي فيه، وقوله: "ميت البحر"، قال الخرشي: أي الميت على ظهره. انتهى. ولا ينافي ما مر من أن الإضافة بمعنى: في. والله سبحانه أعلم.

إِن لَّم يُرْجَ البر قبل تغيره؛ يعني أن محل رمي الميت المذكور إنما هو حيث لم يرج البر قبل تغيره، وأما إن رجي قبل تغيره فإنه يجب تأخيره إليه. قال ابن القاسم: إن طمعوا في البر من يومهم وشبهه، حبسوه حتى يدفنوه بالبر، وإن أيسوا من البر في مثل ذلك غسل وكفن وحنط وصلي عليه ويلقونه في البحر، ولا يحبسونه أياما، ومثله لابن حبيب، قال: ويشدون عليه الأكفان ويلقونه في الماء مستقبل القبلة محرفا على شقه الأيمن، وقاله ابن القاسم وعبد الملك وأصبغ، ولا يثقل بشيء في رجليه ليغرق. قاله ابن الماجشون، وأصبغ. وقال سحنون: يثقل، ولا يعذب ببكاء لم يوص به؛ يعني أن الميت إذا بكى عليه أهله بكاء حراما، كرفع صوت مثلا ولم يوص به، فإنه لا يعذب بذلك؛ أي لا يتألم به، فإن أوصى به عذب، وكذا إن علم منهم أنهم يبكون ولم يوصهم بتركه، ويجب عليه أن ينهاهم عنه إن علم امتثالهم لأمره، وإلا لم يجب عليه أن ينهاهم، والإيصاء الذي يعذب به هو أن يقول لهم: إذا مت فابكوا علي ونحو ذلك، كما قال طرفة:

إذا مِت فانعِيني بمَا أنَا أهلُه … وشُقِّي عليَّ الجَيْبَ يَابنَةَ معبد

وأما خبر المغيرة: (من ينح عليه يعذب بما نيح عليه يوم القيامة (١))، فمحهول عند الجمهور على من أوصى به، أو علم من حالهم أنهم يبكون ولم يوصهم بتركه. وقيل: معنى ذلك تعذيبه بسماع بكاء أهله والرقة لهم، وقد جاء مفسرا بذلك في حديث (٢))، وهو أولى ما يقال فيه. قاله الخرشي. وفي الشارح: وما ورد من قوله عليه الصلاة والسلام: (إن الميت ليعذب ببكاء الحي (٣))، محمول على ما إذا أوصى به. انتهى. وعبارة الأمير: ولا يعذب ببكاء لا ينفذ إيصاء بتركه. انتهى. أي لا يمتثل أهله فيه أمره. والله سبحانه أعلم.


(١) مصنف ابن أبى شبية، كتاب الجنائز، ج ٣ ص ٢٦٣. ولفظه: من نِّيحَ عليه فإنه يعذب بما نيح عليه يوم القيامة.
(٢) فتح الباري، ج ٣ ص ١٢٣.
(٣) مسلم، كتاب الجنائز، الحديث: ٩٢٧. والبخاري، كتاب الجنائز، الحديث: ١٢٩٠.