للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ولا يترك مسلم لوليه الكافر؛ يعني أنه يحرم أن يترك المسلم فيما يتعلق بمؤن التجهيز لوليه الكافر من غسل ودفن وغيرهما، لقوله عز وجل: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ}؛ ولأنه لا يؤمن عليه من عدم الغسل، ومن الدفن في مقابرهم واستقبال قبلتهم إلى غير ذلك، وقاله ابن القاسم وأشهب في المجموعة، وإذا لم يترك المسلم لوليه الكافر فإنه يليه وليه المسلم إن كان أو المسلمون إن لم يكن، وأما سيره معهم ودعاؤه له فلا يمنع منه. قاله أشهب.

ولا يغسل مسلم أبا كافرا؛ يعني أن المسلم لا يجوز له أن يغسل أباه الذي مات كافرا -نسأل الله السلامة- لذهاب حرمته بموته على الكفر، وأولى غير أبيه من قريب كافر أو أجنبي كافر؛ لأن الغسل تطهير والكافر ليس من أهل التطهير، ولا يصلى عليه؛ لأن الصلاة شفاعة وهو ليس من أهلها، وقد قال تعالى: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا} ولا يدخله في قبره؛ يعني أن المسلم لا يتبع جنازة أبيه الكافر ولا يدخله قبره، وقاله في المدونة. وقوله: "ولا يدخله قبره"؛ أي لا يجوز له أن يدخله في قبره، بل يكله إلى أهل دينه يلونه. إلا أن يضيع، مستثنى من قوله: "ولا يدخله قبره"؛ يعني أن المسلم إذا خاف على أبيه الكافر الميت أن يضيع بسبب تركه له، فإنه يواريه وجوبا بالتكفين والدفن، وإلى هذا أشار بقوله: فليواره؛ أي فليستره وجوبا بالدفن والكفن، قال غير واحد: وحملناه على خوف الضياع لأنه بعد الضياع لا يتصور فيه مواراة ولا غيرها، وظاهر المصنف سواء كانت نفقته لازمة لابنه المسلم أم لا وهو كذلك، وإذا واراه فلا يستقبل به قبلتنا ولا قبلتهم، وكذا يوارى وجوبا بالدفن وستر العورة كل كافر ليس معه أحد وخيف ضياعه ولو حربيا، وقال بعض: يترك الحربي. قاله الخرشي.

والصلاة أحب من النفل؛ يعني أن الصلاة على الجنازة أحب من النفل؛ أي أفضل منه وأكثر ثوابا، ومحل هذا إذا قام بها الغير؛ يعني أن محل كون الصلاة على الجنازة أفضل من النفل، إنما هو إذا قام بها الغير بأن شرع فيها، بناء على سقوط فرض الكفاية عن الغير بالشروع فيه وهو ضعيف، والمذهب أنه لا يسقط إلا بالتمام، وما ذكره المصنف هنا هو المشهور، وإن كان مبنيا على ضعيف. واحترز بقوله: "إذا قام بها الغير"، عما إذا لم يقم بها الغير، فإنها تتعين، وحينئذ فهي فرض، ولا إشكال في أن ثواب الفرض أكثر من النفل.