للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والبقر مأخوذ من البقر الذي هو الشق؛ لأنها تبقر الأرض أي تشقها، والجمل مأخوذ من الجمال؛ لأن العرب تتجمل بها. والله تعالى أعلم. قاله الحطاب. وسميت الإبل إبلا لأنها تأبل بالرطب عن الماء؛ أي تجزأ وهو الحق، لا لأنها تبل ساقيها لعدم الوفاق في المادة، قال الشاعر:

لقد أبلت شهري ربيع كليهما … وقد تم فيه نسؤها واقترارها

فسود ماء المرد فاها فلونه … كلون النَّئور وهي أدماء سارها

ويقال: نسأت الإبل: بدا سمنها، والاقترار: السمن أو نهايته، والنئور كصبور: حصاة كالإثمد، والسار والسائر: البقية. والله أعلم. وقوله: "النعم"، احترز به من الخيل والبغال والحمير والعبيد، فلا تجب فيها الزكاة، وفي البخاري عنه صلى الله عليه وسلم: (ليس على المسلم في فرسه وغلامه صدقة (١)).

واعلم أنه إذا كانت الخيل للتجارة وجبت فيها الزكاة إجماعا، وخالف أبو حنيفة في الخيل التي ليست للتجارة، فأوجب في كل فرس دينارا أو ربع عشر قيمتها على التخيير، وقوله: "زكاة نصاب النعم"، الزكاة فيه بالمعنى المصدري الذي هو الإخراج؛ لأن الوجوب من الأحكام التكليفية، ولا يكلف إلا بفعل اختياري.

تنبيه: قد علمت أن النصاب هو القدر الذي إذا بلغة المال وجبت فيه الزكاة، كما قاله الإمام مالك. وسمي نصابا لأنه كالعلم المنصوب لوجوب الزكاة، وفي الكتاب العزيز: {كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ}؛ أي شيء منصوب كعلم أو راية، ومعنى يوفضون يسرعون، أو لأن المال إذا بلغة نُصِبَ إليه ببعث السعاة من النصب بالتحريك بمعنى التعب، أو من النصيب بمعنى الحظ؛ لأن للمساكين فيه نصيبا حينئذ. المازري: النصاب لغة: أصل الشيء، فلما كان ما علق عليه الزكاة هو مبدأ الوجوب سمي نصابا لكونه أصلا في الوجوب، وقوله: "تجب"؛ يعني أن الزكاة واجبة كتابا وسنة وإجماعا، أما وجوبها بالكتاب، ففي غير آية، وأما وجوبها بالسنة فَلِمَا أخرجه الخمسة عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: (بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذا إلى


(١) البخاري، كتاب الزكاة، الحديث: ١٤٦٣. ومسلم، رقم الحديث: ٩٨٢. ولفظه: ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة.