للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الثاني: ورد في صحيح مسلم: (لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات (١) عن ذهب فمن حضره فلا يأخذ منه شيئا (٢) ومعنى يحسر: ينكشف. قاله الحطاب. وشاهده قول ذي الرمة:

وإنسان عيني يحسر الماء تارة … فيبدو وتارات يجم فيغرق

قال القرطبي: نهي عن أصله من التحريم لأنه ليس ملكا لأحد وليس بمعدن ولا ركاز، فحقه أن يكون في بيت المال. وقوله: عن أصله، لعله على أصله. فتأمله. والله أعلم. قاله الحطاب.

الثالث: عُلِمَ أن قوله: "كعنبر"، المراد به ما لم يسبق إليه بملك ولا خصوصية لما لفظه البحر بذلك، كما أشار إليه المصنف بقوله في باب الذكاة: "وملك الصيد المبادر"، فالمباحات كلها إنما تستحق بوضع اليد لا بالمعاينة، وفي خبر غير ثابت اللفظ: (من سبق إلى مباح فهو له (٣) وقوله: "كعنبر"، العنبر خرء دابة في البحر، ويقال للحوت الذي في جوفه العنبر عنبر أيضا، قال الشيخ إبراهيم: وسمي هذا الحوت بالعنبر لوجوده في جوفه.

قال الشافعي: حدثني بعضهم أنه ركب البحر فوقع إلى جزيرة، فنظر إلى شجرة مثل عنق الشاة -وإذا ثمرها عنبر- قال: فتركناه حتى يكبر فنأخذه، فهبت ريح فألقته في البحر، قال الشافعي: والسمك ودواب الماء تبتلعه أول ما يقع لأنه لين، فإذا ابتلعته قلما تسلم لفرط حرارته، فإذا أخذ الصياد السمكة وجده في بطنها فيظن أنه منها، وإنما هو ثمرة تنبت. قاله القسطلاني في شرح البخاري. انتهى.

الرابع: علم مما تقدم أن الركاز دفن غير معصوم، فيدخل مال الحربي الوجود الآن وليس المراد خصوص الجاهلية -كما علمت- وقال الأمير: إن ما لفظه البحر إن تقدم له ملك فكالدفن المعصومُ منه لقطة، وغيره كالركاز وإن لم يتقدم عليه ملك فلواجده بلا تخميس. انتهى. وفيه موافقة مع ما مر عن عبد الباقي والشبراخيتي، حيث قالا: إن ما علم أنه لذمي لقطة، وهو مخالف لما مر


(١) كذا في الأصل والذي في الحطاب طبعة دار الرضوان "عن جبل من ذهب".
(٢) مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، الحديث: ٢٨٩٤. ولفظه: لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات عن جبل من ذهب الخ. وفيه أيضا: يوشك الفرات أن يحسر عن جبل من ذهب فمن حضره فلا يأخذ منه شيئا.
(٣) مشكاة المصابيح، رقم الحديث: ١٤٠٨. الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة، رقم الحديث: ٤٩٢.