للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

واعلم أن القرب كلها تعظيم وتوقير، وليس عين المشاق تعظيما ولا توقيرا، وإنما طلب من العباد تحصيل المصالح فإن لم تحصل إلا بمشقة عظم الأجر؛ فلذا كان ثواب أشق الفعلين المتحدين في الأركان والشرائط والسنن وغيرها أعظم كالوضوء في شدة البرد بالنسبة إلى الوضوء في الصيف وفي الحديث [إسباغ الوضوء على المكاره] (١)، وكالصوم في البلاد الحارة، أو شدة القيظ بالنسبة إلى ذلك في البرد وإن أمكن حصول المصالح بدون مشقة، وأراد أحد فعل الأشق طلبا لمزيد الثواب كالوضوء والغسل بالبارد مع وجود المسخن، وسلوك الطريق الأبعد إلى الجامع والحج دون الأقرب مع إمكان سلوك الأقرب قصدا لما ذكر كان غالطا لأن المشقة من حيث هي ليست بقربة بل منهي عنها لقوله صلى الله عليه وسلم [إن لنفسك عليك حقا] (٢). قال بعض العلماء وربما كان في فعله العقاب على قدر المفسدة، وقد تقدم عن ابن فرحون أنه لا ثواب في إرشاد طبي ومثله لابن حجر، وفي السبكي فاعل الإرشاد لمجرد غرضه لا يثاب ولمجرد الامتثال يثاب ولهما يثاب ثوابا أنقص من ثواب فعله لمجرد الامتثال انتهى. ويجري مثله في المكروه، وقد تقدم أن المعتمد في المشمس الكراهة، ويشترط في كراهته أن يستعمله في بدن طهارة أو غيرها كأكل لحم طبخ به أو شرب، وسواء في ذلك من عَمَّهُ البرص وغيره، وسواء كان استعماله لحي أو ميت وإن أمن منه على غاسله، أو إرخاء بدنه، أو إسراع فساده؛ إذ في استعمال ذلك إهانة وهو محترم كما في حياته ووجه الكراهة ما رواه مالك عن عائشة رضي الله عنها [أنه صلى الله عليه وسلم دخل عليها وقد سخنت له ماء في الشمس فقال لا تفعلي يا حميراء فإنه يورث البرص، ونحوه عن عمر] (٣)، ويشترط في الكراهة أيضا أن يكون تشميسة بقطر حار كالحجاز في إناء منطبع وهو ما يمتد تحت المطرقة كحديد أو نحاس أو رصاص ولو بالقوة كبركة في جبل حديد وهذا في غير إناء النقد، وأما هو فلا كراهة لصفاء الذهب والفضة، ويشترط في الكراهة أيضا أن لا يكون الإناء المذكور مغشًّى بما يمنعه من انفصال الزهومة، ولا تزول بتسخينه بعد الشمس بخلاف تبريده أو تسخينه ابتداء


(١) ألا أدلكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات قالوا بلى يا رسول الله قال إسباغ الوضوء على المكاره مسلم في صحيحه، كتاب الطهارة، رقم الحديث: ٢٥١.
(٢) يا عثمان فإن لأهلك عليك حقا وإن لضيفك عليك حقا وإن لنفسك عليك حقا فصم وأفطر وصل ونم. سنن أبي داود، رقم الحديث: ١٣٦٨.
(٣) لا تفعلي يا حميراء فإنه يورث البرص. البيهقي، ج ١ ص ٦، دار الفكر.