بالنار لعدم انفصال زهومة فيهما، وبخلاف تشميسه بقطر بارد أو معتدل فلا كراهة، وبخلاف تشميسه بإناء مغشى بما يمنعه من انفصال الزهومة كالقزدير قاله الشيخ عبد الباقي. وفي الحطاب عن ابن فرحون: وهل تزول بتبريده أو يرجع في ذلك للأطباء؟ إن قلنا إن العلة تحلل الأجزاء من الإناء فلا تزول الكراهة بتبريده، قلت: وعند الشافعية في ذلك خلاف ومحل الكراهة بالشروط المتقدمة إن لم يضر بقول عارف أو تجربة من نفسه وإلا حرم كما للأجهوري عن الشافعية لقول الحطاب: ينبغي التعويل على ما لهم في المشمس. وفهم من قول المص:"كمشمس" أن المسخن لا كراهة فيه وهو كذلك، وقيده بعضهم بأن لا يكون شديد التسخين وإلا كره شديد البرودة لمنافاته الخشوع أو منع الإسباغ، ووقع لمالك تفضيل البارد على المسخن، فقيل: لتنشيط الأعضاء، وقيل لتعظيم الأجر في الصبر عليه، والتسخين من باب التنعم. قال ابن الإمام بعد ذكر الوجه الثاني عن ابن رشد: مقتضاه تفضيل البارد مع وجود المسخن ولا يصح لأن الله تعالى لم يطلب من عبيدة المشاق، ولأن القرب كلها توقير وتعظيم، وليس عين المشاق تعظيما ولا توقيرا إلى آخر ما مر. واعلم أن الحديث المذكور أعني لا تفعلي يا حميرا الخ ضعيف باتفاق المحدثين، ومنهم من يجعله موضوعا، وكذلك ما روي عن عمر أنه كان يكره الاغتسال بالماء المشمس، وقال إنه يورث البرص فهو ضعيف أيضا باتفاق المحدثين. ومذهب الشافعي في المشمس الكراهة خلافا لأبي حنيفة، وقد علمت مذهب مالك والمشمس في البرك والأنهار متفق على عدم كراهته لعدم إمكان الصيانة، ولعدم تأثير الشمس.
واعلم أن دخول الرجل للحمام على ثلاثة أقسام: الأول إذا كان خاليا أو مع زوجته أو جاريته فهو جائز بلا كراهة، الثاني إذا كان غير مستتر أو مع من لا يستتر فلا يحل ولا يجوز، ومن فعله كان جرحة في دينه وقدحا في شهادته، وفي الجواهر لا خلاف في تحريم دخوله مع من لا يستتر بل قال ابن القاسم: الظاهر أن من لم يجد سوى مائة ولا يتمكن منه إلا بدخوله على ما ذكر كالعادم للماء إلا أن يدخله غاضا بصره لإخراجه لا لمقامه فيه إذ لا يكاد يسلم من ذلك انتهى. فعلى قوله إذا تعذر إخراجه صار عادما للماء والله تعالى أعلم. الثالث إذا كان مستورا ومع مستورين قال ابن القاسم لا بأس به وتركه أحسن، ووجه الكراهة حينئذ مخافة أن يطلع على