وعلم مما مر قريبا أن رحبة المسجد الداخلة فيه يصح الاعتكاف فيها، وزاد الشيخ عبد الباقي بعد قوله "مما تصح فيه الجمعة": اختيارا ليخرج رحبة المسجد الخارجة عنه، والطرق المتصلة به. قال محمد بن الحسن: هما غير داخلين في لفظ مسجد، وهذا المقيد لا يخرجهما لما تقدم أن مذهب المدونة صحة الجمعة بهعا مطلقا، خلافا لتفصيل المصنف حيث قال: إن ضاق أو اتصلت الصفوف، وخرج بقوله: لمن فرضه الجمعة، الخارج عن كفرسخ من النار والمرأة، ونحوهما ممن لا تلزمه الجمعة. وإلا، مركب من إن الشرطية ولا النافية، أي وإن لم يعتكف في الجامع، والحال أنه ممن تلزمه الجمعة واعتكف في غير الجامع أياما تأخذه فيها الجمعة، خرج للجمعة وجوبا، وإذا خرج لها بطل اعتكافه، سواء دخل على أن يخرج أم لا ويقضيه، قالوا: إلا أن يجهل ذلك كحديث عهد بالإسلام فيعذر، ولا يبطل اعتكافه بخروجه، قوله:"خرج"، فإن لم يخرج حرم عليه ذلك، والظاهر عدم بطلان اعتكافه. قاله الحطاب وغيره. لأنه لم يرتكب كبيرة إلا على قول من يبطله بالذنوب مطلقا، وقوله:"وإلا خرج وبطل"، هو المشهور من ثلاثة أقوال: البطلانُ مطلقا وهو المشهور كما علمت، وَعَدَمُه مطلقا وهو رواية ابن الجهم، والتَالِثُ التفصيل لابن الماجشون إذا نذر أياما تأخذه فيها الجمعة خرج وبطل، ولو نذر أياما لا جمعة فيها، وأراد اعتكافها فمرض بعد أن شرع فيها، ثم خرج، ثم رجع لإتمامها فصادف الجمعة خرج إليها، ولا يبطل اعتكافه، ففي قول عبد الباقي وغيره: إن هذا محل اتفاق نظر. انظر حاشية محمد بن الحسن. وقوله:"وإلا خرج وبطل"، اعلم أنه يعد خارجا بخروج رجليه معا لا بإحداهما كذا يظهر. قاله الشيخ عبد الباقي.
كمرض أبويه؛ يعني أن المعتكف إذا مرض أبواه فإنه يجب عليه أن يخرج لعيادتهما، وكذا إذا مرض أحدهما فإنه يجب عليه أن يخرج لعيادته وجوبا، وإذا خرج لأجل عيادتهما أو عيادة أحدهما فإنه يبطل اعتكافه، ويخرج وجوبا لأجل ما ذكر، ولو كان المريض منهما أو من أحدهما كافرا، وإنما خرج لذلك لأن الخروج إليهما من برهما وبرهما فرض بنص القرآن، وهو فوق وجوب الاعتكاف بالنذر، مع أن الاعتكاف يقضيه وما فاته من بر والديه لا يستدركه ولا يقضيه، وفهم