للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال مالك: أحب إلي أن تكون في المحرم، وَوَجْهُ اعتمار من اعتمر في آخر ذي الحجة في المحرم كون المحرم هو أول السنة التالية لما قبلها، فلم تكرر العمرة في عام واحد، ووجه الأخرى قرب الزمان. والله أعلم.

ويستثنى من كراهة تكرار العمرة في السنة من تكرر دخوله إلى مكة من موضع يجب عليه الإحرام منه، وهذا ظاهر. قاله الحطاب.

واعلم أن أحكام الحج كثيرة وفروعها غزيرة، والاعتناء بها اليوم قليل ولا سيما ببلاد المغرب، وقد تنضبط أفعاله وجمعها بعضهم في أبيات وهي:

أحرم ولب ثم طف واسع وزد … في عمرة حلقا وحجا إِنْ تُرِدْ

فزد منى وعرفات جمعا … ومشعرا والجمرات السبعا

وانحر وقصر وأفض ثم ارجع … للرمي أيام مني وودع

وكمل الحجة بالزياره … متقيا من نفسك الأماره

فالسر في التقوى والاستقامه … وفي اليقين أكبر الكرامه

وورد عنه صلى الله عليه وسلم [أن الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة] (١) وورد أيضا: [من حج البيت ولم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه] (٢))، والحج المبرور هو الذي لا يتعمد فيه معصية، وقال عياض: هو الذي لا يخالطه شيء من الإثم، وقيل المبرور المتقبل، واستشكل بأنا لا نطلع على القبول، وأجيب بأن من علامات القبول أن يزداد بعده خيرا، وقوله: لم يرفث، فاؤه مثلثة في الماضي والمضارع، والرفث: الجماع أو الفحش من القول، والفسوق: المعاصي، وقوله: كيوم ولدته أمه، قال ابن حجر: أي صار بلا ذنب، وظاهره غفران الصغائر والكبائر والسيئات، والتحقيق في هذا أن قضاء الصلاة والكفارة وحقوق الآدميين لا يسقط، ولفظ الذنب لا يتناول هذه الأشياء التي في الذمة، وإنما الذنب الأخذ من المالك بغير اختياره، وتأخير


(١) البخاري، كتاب العمرة، الحديث: ١٧٧٣. مسلم، كتاب الحج، الحديث: ١٣٤٩.
(٢) البخاري، كتاب المحصر، الحديث: ١٨١٩. وفيه: … (رجع كيوم ولدته أمه) بدل قوله: (خرج من ذنوبه). ومسلم، رقم الحديث: ١٣٥٠. (ينظر). الإتحاف، ج ٤، ص ٢٧٠.