للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يحد حدا وإنما تؤخذ الحدود ممن له أن يشرع، واحتج له بعض بخبر: [أعمار أمتي ما بين الستين والسبعين] (١))، وتسمى معترك المنايا، وتسميها العرب دقاقة الرقاب. قاله الشبراخيتي.

واعلم أن الراجح القول بأن الحج واجب على الفور، فكان حق المصنف أن يقتصر عليه، وغالب الفروع الآتية مبني عليه، وقال في التوضيح: الظاهر قول من شهر الفور لأنه المنقول عن مالك، والتراخي مأخوذ من مسائل ليس الأخذ منها بالقوي، وقال الشيخ المحقق الأمير: والراجح فوريته وإن كان رواية العراقيين والثاني رواية المغاربة، والغالب تقديمهم بعد المصريين كابن القاسم. انتهى.

خلاف، مبتدأ، وخبره قوله: "في فوريته وتراخيه"، وهو خلاف في التشهير، والقول بالتراخي شهره الفاكهاني، ورأى الباجي وابن رشد وغيرهم من المغاربة أنه ظاهر المذهب، وقد مر أن الراجح القول بالفورية، واعلم أنه لا خلاف في الفورية إذا فسد حجه، سواء قلنا إن الحج على التراخي أو على الفورية كما يأتي عند قوله: "ووجب إتمام المفسد"، وسواء كان الأول فرضا أو نفلا، قوله: "وفي فوريته" لخ، الظاهر أن هذا الخلاف يجري في العمرة أيضا كما استظهره غير واحد، وقد تقدم أنه إذا خاف الفوات كما لو خاف عجزه في بدنه يتفق القولان على الفورية.

وتحصل مما مر أن المذهب اختلف على قولين مشهورين، هل وجوب الحج على الفور أو على التراخي؟ وأن القائل بالتراخي يري التوسعة مقيدة بخوف الفوات، وعليه فإذا اخترمته المنية ولم يكن خاف الفوات لم يعص، ولو خاف الفقر أو الضعف مثلا ولم يحج حتى فات أثم وعصى، وأن الراجح القول بالفورية. وصحتهما بالإسلام؛ يعني أنه يشترط في صحة الحج والعمرة أن يقعا من مسلم، فلا يصحان من غير مسلم، وعلم من هذا أن الكفار مخاطبون بالحج والعمرة كغيرهما من فروع الشريعة. وهذا هو الراجح، وفائدة ذلك تضاعف العذاب عليهم، قال في التنقيح: أجمعت الأمة على خطابهم بالإيمان، واختلف في خطابهم بالفروع. انتهى. وظاهر مذهب مالك خطابهم بها خلافا لجمهور الحنفية، وقيل: إن الإسلام شرط وجوب بناء على أن الكفار غير مخاطبين بفروع الشريعة، وإذا قلنا إن الإسلام شرط في الوجوب، فهو شرط في الصحة أيضا،


(١) ابن ماجه، كتاب الزهد، الحديث: ٤٢٣٦. ولفظه: أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين وأقلهم من يجوز ذلك. والبيهقي، ج ٣ ص ٣٧٠.