للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله: "وصحتهما بالإسلام"؛ يعني سواء كان المحرم بهما حرا أو عبدا صغيرا أو كبيرا، وقال ابن جماعة: لو اعتقد الصبي الكفر لم يكفر عند الشافعية، فلو حج واعتمر في تلك الحال، فقال ابن القاسم الرويالي: لا يصح، وقال والده: يصح بخلاف الصلاة، ومذهب الثلاثة أن ارتداده ارتداد فلا يصح منه ما ذكر. فيحرم ولي عن رضيع؛ يعني أنه بسبب أنه يشترط في صحة الحج والعمرة الإسلام، صح الإحرام بالحج والعمرة عن الصبي ولو كان رضيعا لأنه محكوم له بالإسلام، وكذا المجنون (١) والمطبق، وقوله: "فيحرم"؛ أي ندبا، وقوله: "فيحرم" لخ، هو مذهب المدونة وهو المشهور في المذهب، وفي الموازية: لا يحج بالرضيع، وأما ابن أربع سنين أو خمس فنعم.

ابن عرفة: وفي صحته -يعني الإحرام لغير المميز- قولان لها، وللخمي مع رواية ابن وهب بابن أربع لا برضيع، وفي المجنون قولان لها، ولتخريج اللخمي على الصبي، وقول الباجي: عدم العقل يمنع صحته خلاف النص، وحمل عياض قول الموازية: لا يحج بالرضيع على الكراهة، واللخمي على المنع.

والأصل في الحج بالصغير ما رواه مالك في الموطإ [أنه صلى الله عليه وسلم مر بامرأة وهي في محفتها، فقيل لها: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخذت بضبعي صبي كان معها، وقالت: ألهذا حج يا رسول الله؟ فقال: نعم، ولك أجر] (٢)). رواه مسلم في صحيحه. قال في الإكمال: ولا خلاف بين أيمة العلم في جواز الحج بالصبيان إلا قوما من أهل البدع منعوه ولا يلتفت لقولهم، وفعل النبي صلى الله عليه وسلم لذلك وإجماع الأيمة والصحابة يرد قولهم، وإنما الخلاف للعلماء، هل ينعقد عليهم حكم الحج؟ وفائدة الخلاف إلزامهم الفدية والدم والجبر لما يلزم الكبير وعدمه، فأبو حنيفة لا يلزمهم شيئا، وإنما يجتنب ذلك عنده ما يجتنب المحرم على طريق التعليم والتمرين، وسائرهم يلزمونه ذلك ويرون حكم الحج منعقدا عليه؛ إذ جعل له النبي صلى الله عليه وسلم حجا، وأجمعوا على أنه لا يجزئه إذا بلغ عن الفريضة، وشذت فرقة فقالت: يجزئه، ولم يلتفت العلماء إلى قولها.


(١) كذا في الأصل، والذي في الحطاب ج ٣ ص ٢٦٧: وكذلك المجنون المطبق. ط دار الرضوان.
(٢) الموطأ، كتاب الحج، الحديث: ٩٦١. مسلم، كتاب الحج، الحديث: ١٣٣٦.