للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

واعلم أنه اختلف في منع التطيب عند الإحرام وإباحته، فمن منع منعه في البدن والثوب، ومن أباحه أباحه في البدن والثوب، وفي الحطاب بعد جلب نقول: والذي يتحصل من هذا أن الثوب إذا كانت فيه رائحة الطيب فلا يحرم فيه، فإن كانت رائحة طيب مؤنث كان الإحرام فيه حراما، وإن كانت رائحة طيب مذكر كان الإحرام فيه مكروها، فإن أحرم فيه فإن كان الطيب مذكرا فلا شيء عليه، وإن كان مؤنثا فحكمه حكم من تطيب عند الإحرام بما تبقى رائحته بعد الإحرام، فالمشهور لا فدية عليه، وقال أشهب: عليه الفدية إن كان كثيرا، واختلف هل هو خلاف أو تفسير؟ انتهى.

تنبيهات: الأول: قال الإمام الحطاب عند قوله "ومصبوغ لمقتدى به" ما نصه: إذا كان لون صبغه يشبه لون المصبوغ بالطيب. انتهى. قال احترزنا به عما يكون صباغه لا يشبه لون المصبوغ بالطيب، فإنه لا يكره الإحرام فيه، ولكنه خلاف الأولى؛ لأن البياض أفضل، لقوله عليه الصلاة السلام: (البسوا من ثيابكم البياض فإنها من خير ثيابكم وكفنوا فيها موتاكم (١)). قاله (٢) أبو داوود والترمذي. وقال: حديث حسن صحيح وابن حبان في صحيحه، وذكر صاحب الطراز هذا الحديث بلفظ: خير ثيابكم البياض ألبسوها أحياءكم وكفنوا فيها موتاكم، قال اللخمي: يستحب للمحرم لباس البياض؛ وهو في المصبوغ على ثلاثة أوجه: جائز إذا كان أزرق أو أخضر أو ما أشبه ذلك، وممنوع إذا كان بالورس والزعفران وما أشبه ذلك مما هو طيب فإن فعل افتدى، ويجوز إذا كان معصفرا غير مفدم، وكره المفْدم لأنه ينتفض. وقال أشهب: لا فدية فيه، ولم يره من الطيب المؤنث. انتهى. وكأن القسم الثالث من المصبوغ في كلامه هو المعصفر المفدم فجعله مكروها ولم ير فيه فدية.

الثاني: قول المصنف: ومصبوغ لمن يقتدى به، الأصل فيه حديث الموطإ: (أن عمر بن الخطاب رأى على طلحة بن عبيد الله ثوبا مصبوغا وهو محرم، فقال: ما هذا الثوب المصبوغ يا طلحة؟ فقال طلحة: يا أمير المؤمنين إنما هو مدر، فقال عمر: إنكم أيها الرهط أئمة يقتدي بكم الناس،


(١) الترمذي: كتاب الجنائز، الحديث ٩٩٤. وأبو داود، كتاب اللباس، الحديث ٤٠٦١. وابن حبان، كتاب اللباس وآدابه، الحديث ٥٣٩٩.
(٢) كذا في الأصل والذي في الحطاب؛ دار الرضوان ج ٣ ص ٥٧٤: رواه أبو داود.