مرا بنجاسة رطبة فلا عفو، وظاهر الحديث عدم الفرق بين يابس النجس ورطبه؛ فإن أم ولد لإبراهيم بن عبد الرحمن قالت لأم سلمة إني امرأة أطيل ذيلي وأمشي في المكان القذر، فقالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(يطهره ما بعده)(١) لكن حمله مالك على القشب اليابس، والقشب بسكون المعجمة هو الرجيع اليابس وأصله الخلط بما يفسد قاله عياض، وقال ابن فرحون: والقشب بفتح القاف والشين، وجاء بكسر القاف وسكون الشين. هو كالعلة لما قبله؛ أي عفي عن ذيل امرأة ورجل مرا بنجس يابس لأنهما يطهران بما بعده من أرض أو غيرها طاهر يابس، ووجه العفو هنا أنه قد يتعلق بالذيل والرجل غبار النجس اليابس فيعفى عن غسلهما مع التحقق، ونضحهما مع الشك والعفو هنا لا يختص برجيع الدواب خلافا للتونسي القائل إنه يختص بروث الدواب وأبوالها كمسألة الخف الآتية، وقال الباجي: يجب غسل ما تحققت إصابة عين النجاسة له: والمراد بالطهارة هنا الطهارة اللغوية أي ينظفان لأن الطهارة الشرعية لا تكون بغير المطلق، وحينئذ يكون للعفو محل. وقوله:"بنجس يبس"رد به القول بأن ذيل المرأة إذا مر بنجس رطب يعفى عنه وهو خلاف المشهور، والمشهور أنه لا يعفى عن ذيلها إذا أصابته نجاسة رطبة، وقد مر أن ظاهر الحديث أنه لا فرق بين يابس النجس ورطبه والله سبحانه أعلم، وفهم من قوله:"وذيل امرأة مطال لستر" الخ أن الغبار غير معفو عنه إلا في هذين، ولذا قال ابن القاسم من لصق ثوبه بجدار مرحاض إن كان يشبه البلل غسله، وإن كان يشبه الغبار رشه. انتهى، وهذا هو الفقه الحقيقي لأنه إذا كان به بلل لا يشك في علوقه بالثوب فيجب غسله حينئذ. وإذا كان به غبار فقد يشك أنه علق به منه شيء فيجب النضح: وقوله: "مطال لستر ورجل بلت" سواء في ذلك الواحدة والاثنتان، وإسناد المرور للرجل حقيقي، وللذيل مجاز قاله الشبراخيتي. وسواء رفعت الرجل بالحضرة أو بعد مهلة.
واعلم أن الباجي قال في حديث الذيل أعني حديث أم سلمة: يطهره ما بعده ما حاصله أنه يحمل الحديث على ما إذا شكت في إصابة النجاسة لها، أو في نجاسة ما أصابها ولا يلزمها
(١) يطهره ما بعده. الموطأ، كتات اللباس، رقم الحديث: ٤٧.