للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

منه، والأول هو الظاهر؛ لأنه قد ذكي، وفيه بقية من حياته فجاز أكله، ولما في الموطإ والصحيحين (أن جارية لكعب بن مالك كانت ترعى غنما له بسلع، فأصيبت شاة منها فأدركتها فذكتها بحجرة فسئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: لا بأس بها كلوها (١))، فأباحها مع إشرافها على الموت، وفيه دلالة على جواز ذكاة النساء وبالحجر، وذكاة غير المالك بدون وكالة، واستدل له أيضا بقوله تعالى: {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} أي أدركتم فيه الروح فذكيتموه، بناء على أن الاستثناء متصل، وأما على أنه منقطع فلا دلالة فيه، وقوله: وإن أيس من حياته، سواء كان ذلك بسبب ضربه أو ترديه من شاهق ولم ينفذ منه مقتل، أو مرضه أو أكله عشبا فانتفخ أو غير ذلك، وخرج بقوله: "المذكى" الميتة وهي ما مات حتف أنفه أو بسبب غير الذكاة، ومثل الميتة الموقوذة وما معها في الآية الكريمة النفوذة المقاتل كما يأتي قريبا فالكل لا يؤكل تحريما، لقوله عز وجل: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ} الآية، والمراد بالدم المسفوح وقد تقدم الكلام عليه في باب الطهارة، وقوله: {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} هو المشار إليه بقول المص: "وذبح لصنم".

بتحرك قوي؛ يعني أن المذكى إنما يباح أكله إذا ذكي وهو محقق الحياة، وتحقق الحياة يكون بالحركة القوية كركض أي خبط بيد أو رجل بشدة ومد وقبض معا بيد أو رجل، لا مد فقط أو قبض فقط، ومن التحرك القوي حركة ذنبها أو طرف عينها، وأما غير القوي فلا عبرة به كحركة الارتعاش والارتعاد، ومد يد فقط أو رجل فقط أو قبض واحدة كما مر، وأما باقي الحركات مما لم يقع في كلامهم النص على كونه قويا أو ضعيفا فيعمل فيه بقول أهل المعرفة. قاله الشيخ عبد الباقي. وتأمل هذا التحرير العجيب. مطلقا، الظاهر أنه حال من قوله: "بتحرك"، ومعناه سال مع التحرك دم أم لا، كانت الذبيحة صحيحة أو مريض، كانت الحركة من الأعالي أو من الأسافل، واختلف في وقت مراعاة الحركة، فقيل: إنما تعتبر بعد الذبح، وقيل: حين الذبح، وقيل: يكفي سواء وجدت بعد الذبح أو معه أو قبله واتصلت به وهو أضعف الأقوال، فلا يفسر به إطلاق المص: وسيل دم؛ يعني أن سيلان الدم من غير شخب ولا حركة من علامات الحياة،


(١) الموطأ ج ١ ص ٣١٨، البخاري رقم الحديث ٥٥٠٥.