للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فعلت كذا فإنه يوافق ابن رشد على الكراهة لأنه حينئذ يعين وهي بغير الله تعالى، أو صفته مكروهة ما لم يكن نذرا مبهما فلا كراهة فيه؛ لأنه واليمين بالله تعالى سواء. وقوله: "وفي كره العلق تردد"، وجه القول بالكراهة بأنه يأتي به على سبيل المعاوضة لا القربة المحضة، ولأن الجاهل قد يتوهم أنه يمنع من عدم حصول المقدور، ويؤيده ما في مسلم وغيره أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن النذر أي المعلق فقط، وقال: (إنه لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل (١))، وفي مسلم وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: (إن النذر لا يقرب من ابن آدم شيئا لم يكن قدره الله ولكن النذر يوافق القدر فيخرج بذلك من البخيل ما لم يكن البخيل يريد أن يخرج (٢))، وينبغي أن لحل التردد في حق من لم يعتقد نفع النذر وإلا حرم قطعا.

واعلم أن النذر لازم إن وقع المعلق عليه، كما أن المكرر لازم وهو مكروه كما علمت، ولو علق على محرم كإن لم أزن فعلي صدقة بدينار لزم الوفاء به، قال الإمام الحطاب بعد أن ذكر الحديث ناقلا عن القرطبي: هل النهي محمول على التحريم أو الكراهة؟: المعروف من مذاهب العلماء الكراهة، قلت والذي يظهر لي التحريم فيمن يخاف عليه ذلك الاعتقاد المفاسد، فيكون إقدامه على ذلك محرما، والكراهة فيمن لم يعتقد ذلك، ومما يلتحق بهذا في الكراهة النذر على وجه التبرم والتحرج، فالأول كمن يستثقل عبدا لقلة منفعته وكثرة مؤنته فينذر عتقه تخلصا منه وإبعادا له، وإنما كره ذلك لعدم تمحض نية القربة، والثاني أن يقصد التضييق على نفسه والحمل عليها بأن ينذر كثيرا من الصلاة أو الصوم أو غيرهما مما يؤدي إلى الحرج والمشقة مع القدرة عليه، وأما لو التزم بالنذر ما لا يطيقه لكان محرما، وأما النذر الخارج عما تقدم، فما كان منه غير معلق على شيء وكان طاعة جاز الإقدام عليه ولزم الوفاء به، وأما ما كان منه على وجه الشكر فهو مندوب، كمن شفي مريضه فنذر أن يصوم أو يتصدق. انتهى كلام الحطاب. وقد تقدم ما قاله الشيخ محمد بن الحسن بناني. ووجوب أداء النذر العلق على أمر بحضوره واضح وبحضور بعضه ظاهر الروايات عدمه بخلاف اليمين. قاله الإمام الحطاب عن الإمام ابن عرفة.


(١) صحيح مسلم، كتاب النذر، رقم الحديث ١٦٣٩.
(٢) إن النذر لا يقرب من ابن آدم شيئا لم يكن الله قدره له الخ، صحيح مسلم، كتاب النذر، ١٦٤٠. صحيح البخاري، كتاب الأيمان والنذور، ٦٦٩٤.