أهمل نفسه وأخذ على غيره استحق المقت عند الله تعالى: قال عز وجل: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ}، وقال جل من قائل:{كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ}، وفي الحديث:(يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه في النار فيدور فيها كما يدور الحمار برحاه، فيجتمع إليه أهل النار فيقولون: يافلان مالك ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: كنت آمر بالمعروف ولما آتيه وأنهى عن المنكر وءاتيه (١)) والأقتاب الأمعاء وما استدار من البطن، واحدها قتب بالكسر كما في القاموس، ولله در القائل:
يا أيها الرجل المعلم غيره … هلا لنفسك كان ذا التعليم
ابدأ بنفسك فانهها عن غيها … فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
فهناك يسمع ما تقول ويقتدى … بالقول منك وينفع التعليم
لا تنه عن خلق وتأتي مثله … عار عليك إذا فعلت عظيم
تنبيهات: الأول: يشترط أيضا في المنكر الذي يجب تغييره أن يكون مجمعا على تحريمه أو يضعف مدرك القول بجوازه، كقول أبي حنيفة في شرب النبيذ: فعلينا نهي حنفي عن شربه، وكوطء أمة بالإباحة تقليدا لقول عطاء وأما ما اختلف فيه فلا ينكر على مرتكبه إن علم أنه يعتقد تحليله بتقليد القائل بالحل، كصلاة مالكي بمني في ثوبه مقلدا للشافعي في طهارته بشرط طهارة فرجه قبله عنده، فإن علم أنه يرتكبه مع اعتقاد تحريمه نهي لانتهاك الحرمة، وإن لم يعتقد التحريم ولا التحليل والمدرك فيهما متواتر أرشد برفق من غير إنكار، ولا توبيخ لأنه من باب الورع ولا يشترط في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذن الإمام ولا عدالة الآمر أو الناهي علي المشهور، فيجب على متعاطي الكأس النهي عنها للجلاس، لخبر: مر بالمعروف وإن لم تأته وانه
(١) صحيح مسلم، كتاب الزهد والرقائق، رقم الحديث ٢٩٨٩. صحيح البخاري، كتاب بدء الخلق، رقم الحديث، ٧٢٥٧.