عن المنكر وإن لم تجتنبه، وأما قوله تعالى:{أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ} لآية، فخرج مخرج الزجر عن نسيان النفس لا أنه لا يأمر.
واعلم أنه يشترط في النهي عن المنكر ظهور المنكر من غير تجسس ولا استراق سمع ولا استنشاق ريح ليتوصل بذلك لمنكر، ولا يبحث عما أخفي بيد أو ثوب أو حانوت أو دار فإنه حرام، والظاهر أن حرمة الإقدام على ذلك لا تمنع وجوب النهي عنه بعد ذلك، فما وقع لعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه وهو يطوف ليلة بالمدينة في عسسه الذي اخترعه من أنه نظر من خلال باب شيخا يشرب خمرا فصعد على جدار البيت ونزل على الرجل، فقال يا أمير المؤمنين: أنا عصيت الله تعالى واحدة وأنت ثلاثا، قال الله تعالى:{وَلَا تَجَسَّسُوا} وأنت قد تجسست علي، وقال تعالى:{وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} وأنت أتيت من الجدار، وقال تعالى:{لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا} أي تستأذنوا وأنت لم تستأذن فعفا عنه عمر رضي الله تعالى عنه وخرج وهو يقول: ويل لعمر إن لم يغفر له الله تعالى. انتهى. ليس عفوه عنه مذهبنا فلا يسقط الحد عن شارب الخمر بفعل الإمام ذلك به. قاله الشيخ عبد الباقي.
الثاني: أقوى مراتب ذلك اليد ثم اللسان برفق ولين ثم بقلبه وهو أضعفها، ثم لا يضره من ضل وإنكاره بالقلب فرض عين وإطلاق النهي عن المنكر بالقلب فيه تجوز؛ إذ الذي به إنكار المنكر لا النهي عنه، وقد مر أن الأمر بالمعروف يشمل النهي عن المنكر لأن الأمر بالمعروف هو اقتضاء فعله بأي لفظ كان، سواء كان أمرا اصطلاحيا نحو افعل أو نهيا نحو لا تفعل؛ لأنه أمر بالكف عن الفعل خلافا لقول التتائي: يستلزمه.
الثالث: في الإحياء: المنكرات تنقسم إلى مكروهة ومحظورة، فالمنع من المكروه مستحب والسكوت عليه مكروه، وليس بحرام إلا إذا لم يعلم الفاعل بأنه مكروه فيجب ذكره له. نقله ابن زكري. قال: وهذا أبين والقول بوجوبه في المندوبات غير ظاهر. ابن بشير: في كونه في المندوبات ندبا أو وجوبا قولان، وفي شرح الجوهرة أن المكروهات والمندوبات يدخلها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على سبيل الإرشاد للورع، ولما هو أولى من غير تعنيف ولا توبيخ، وقد مرّ في النهي عن المنكر أنه يشترط فيه أن لا يؤدي إلى مفسدة أعظم منه، قال ابن زكري: وفي ذلك قسمان،