لأنه منقذ له به من المعاطب كما هو ظاهر، وإذا خيف فوات التغيير بالرفق وكون رفقه غير نافع لزم تغيير المنكر بما أمكن من العنف المفيد للإزالة. قاله العقباني. نقله ابن زكري.
وليحذر الآمر مخالطة الهوى فإن صاحب الهوى مخذول والمنتصر لدين الله منصور، فأكثر الناس يقصدون الحق في الإنكار، فإذا رد عليهم اشتدوا لنصرة أنفسهم فانقلب الأمر عليهم وهم يظنون أنهم قاموا لله تعالى وغيرهم يرى ذلك من خاصية الإنكار وهو جهل من الجميع أعاذنا الله تعالى من البلاء.
والحاصل أن الرفق في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عند عدم الحاجة إلى العنف واجب غير شرط فيهما. فاعلم ذلك.
الخامس: قال الأئمة: ينبغي للآمر والناهي أن يكون بصورة من يقبل منه ذلك؛ فلا ينبغي للعالم أن يأمر أو ينهى وليس لابسا عمامته أو طيلسانه أو ثيابه التي تميزه ويعرف بها، ويتعين الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيما يتعلق بالنفس والأهل.
قال العقباني: النهي عن المنكر فرض متأكد وواجب متعين، فلا أحد من المخاطبين إلا وقد تعين عليه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولو في نفسه وأهله وعياله، لحديث (كلكم راع (١))، وهو على الأئمة والولاة والقضاة وسائر الحكام أوجَبُ وآكَدُ لأنهم متمكنون من التغيير بعلو اليد، وامتثال الأمر ووجوب الطاعة يدل على ذلك قوله عز وجل:{الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ}؛ لأن من الأمور ما لا يقدر عليه إلا الحكام، فلا عذر لمن قصر منهم عند الله تعالى؛ لأنه إذا أهمل هؤلاء القيام فجدير أن لا يقدر عليه من هو دونهم من رعيتهم.
السادس: في شرح الجوهرة قال العلماء: الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مما يجب على الفور إجماعا، فمن أمكنه أن يأمر بمعروفين وجب عليه الجمع، كمن يرى جماعة تركوا الصلاة فيأمرهم بكلمة واحدة قوموا للصلاة. انتهى. نقله ابن زكري.
(١) صحيح البخاري، كتاب الاستقراض، رقم الحديث، ٢٤٣٩. صحيح مسلم، كتاب الإمارة، رقم الحديث، ١٨٢٩. ومسند أحمد ج ٢ ص ٥.