قال إمامنا مالك رضي الله تعالى عنه: ولا يقاتل المشركون ولا يبيتوا حتى يدعوا إلى الله ورسوله، فيسلموا أو يؤدوا الجزية عن يد وهم صاغرون، قال ابن القاسم: وكذلك إذا أتوا إلى بلادنا.
وقوله: بمحل يؤمن، متعلق بدعوا وبالإسلام والجزية. قاله الشيخ إبراهيم. وقال الشيخ عبد الباقي: يحتمل تعلقه بدعوا أو بجزية أو بهما. قاله التتائي. انتهى؛ يعني أنهم إنما يدعون إلى الجزية إذا كانوا بمحل يؤمن على المسلمين، منهم بأن يكون من الأماكن التي لا يخشى فيها على المسلمين وإلا دعوا إلى الانتقال إلى محل يؤمن كما نص عليه الشيخ الأمير. وقوله:"بمحل يؤمن": أي بحيث تنالهم أحكامنا، وقال الإمام الحطاب عند قوله:"بمحل يؤمن": أي إنما تقبل منهم الجزية إذا كانوا بمحل يؤمن عليهم من الرجوع إلى الكفر، وكذلك إذا أجابوا إلى الإسلام. قاله أبو الحسن عن ابن يونس. انتهى. وإلا، أي وإن لم يجيبوا للجزية أو أجابوا لها ولكنهم بمحل لا يؤمن بأن يكونوا بمحل لا تنالهم فيه أحكامنا ولم يرتحلوا إلى بلادنا أو خيف من دعوتهم إلى الإسلام أو الجزية أن يعاجلونا بالقتال قوتلوا. أي نأخذ في قتالهم، وإذا شرعنا في قتالهم وقدرنا عليهم قتلوا أي جاز قتلهم، إلا المرأة؛ يعني أنه يجوز قتلهم إذا قدرنا عليهم، إلا المرأة فإنها لا تقتل إذا قدر عليها، فقوله:"إلا المرأة"، مستثنى من نائب "قتلوا"، وقوله: إلا في مقاتلتها، مستثنى من الاستثناء قبله؛ يعني أنه لا يجوز قتل المرأة إلا إذا قاتلت فتقتل إن قتلت بسلاح أو حجارة أسرت أم لا، وكذا تقتل أيضا إن قاتلت بسلاح ونحوه كالرجال أسرت أم لا عند ابن القاسم، قال ابن زرقون: وهو الصحيح، ونقل عن الفاكهاني أنه المذهب، فإن قاتلت برمي حجارة ونحوها لم تقتل بعد الأسر اتفاقا، ولا في حال المقاتلة على الراجح، فالأقسام ثمانية فيستثنى من قوله:"إلا في مقاتلتها" هذان الأخيران.
فتحصل من هذا أن النساء لا يقتلن بصياحهن وحراستهن واستغاثتهن وإن شعرن في مدح القتال وذم الفرار، وفي الصحيحين (أنه عليه الصلاة والسلام رأى امرأة مقتولة في بعض مغازيه فأنكر قتل النساء والصبيان (١)). ابن عبد البر: وأجمع العلماء على ذلك، والصبي؛ عطف على قوله:"إلا المرأة"؛ يعني أن الصبي المطيق للقتال لا يقتل إلا أن يقاتل فيكون كالمرأة في الأقسام الثمانية،
(١) صحيح البخاري، كتاب الجهاد والسير، رقم الحديث ٣٠١٤، وصحيح مسلم، كتاب الجهاد والسير، رقم الحديث ١٧٤٤.