للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حر، وقال الشيخ الأجهوري: لو قال: وعبد الحربي حر إن فر أو أسلم وبقي حتى غنم قبل إسلام سيده فيهما ويحذف: لا إن خرج، لكان أشمل وأظهر وأخصر.

ولما حكم بحريته في الصورتين المذكورتين، ذكر عدمها في صورتين أشار إلى الأولى منهما بقوله: لا إن خرج بعد إسلام سيده؛ يعني أن عبد الحربي إذا خرج إلينا من دار الحرب فارا مسلما بعد إسلام سيده، فإنه يكون رقيقا له أو بمجرد إسلامه؛ يعني أن عبد الحربي لا يكون حرا بمجرد إسلامه، بل حتى يفر أو يغنم، فالضمير في إسلامه للعبد، وقوله: "أو بمجرد"، عطف على معنى إن خرج أي لا بخروجه ولا بمجرد إسلامه، وقال أشهب وسحنون: يكون حرا بمجرد الإسلام، والمشهور خلافه وهو مذهب المدونة.

والحاصل أن عبد الحربي إذا أسلم قبل سيده فإنه يكون حرا إن فر إلينا أو بقي حتى غنمه المسلمون قبل إسلام سيده فيهما، وأما إن أسلم السيد قبل العبد أو أسلما معا فإنه لا يزول عنه ملك سيده، ولو فر إلينا فيهما كما لو أسلم السيد بعد إسلامه لكن قبل أن يفر إلينا. والله سبحانه أعلم. وفي الشبراخيتي: أنه إذا لم يصل إلينا لا يكون حرا، وحيث تحرر العبد فلا يرد إلى سيده إن أسلم سيده بعد ذلك، (وقد أعتق النبي صلى الله عليه وسلم عبيد أهل الطائف لخروجهم مسلمين (١))؛ أي حكم بما وقع فيهم من العتق لا أنه أنشأه. قاله الأجهوري. وأعتق أبو بكر بلالا إذ أسلم فأعتقه والدار دار شرك وكان الولاء له رضي الله تعالى عنه، فلو انتقل ملك ربه عنه بمجرد إسلامه كان ذلك فداء ولم يكن ولاؤه لأبي بكر، وعلى قول أشهب وسحنون يكون الولاء للمسلمين ولا يمضي بيعه إذا باعه سيده، وذلك لحر مسلم فدى، وعلى مذهب المدونة يكون الولاء لمن اشتراه وأعتقه لمضي البيع، ولو فر وادعى أن فراره قبل إسلام سيده وكذبه السيد فالظاهر قبول قول السيد، كما أن الظاهر قبول قول السيد إذا أسلم العبد وبقي حتى غنم، وادعى السيد أنه أسلم قبل ذلك، وأما إذا بقي العبد حتى غنم فادعى أنه أسلم قبل فلا يقبل قوله لتعلق حق الغانمين به.


(١) سنن البيهقي، ج ٩ ص ٢٢٩، ومصنف ابن أبي شيبة ج ٨ ص ٥٤٤.