للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالغدوة أي استعينوا على مداومة العبادة بإيقاعها في الأوقات المنشطة، والغدوة بالفتح سير أول النهار، وقال الجوهري: ما بين الغداة إلى طلوع الشمس، ومعنى الغدوة في الحديث قال الشيخ زروق: يعني ذكر ما بعد الصبح إلى طلوع الشمس، والدلجة بضم أوله وفتحه وإسكان اللام سير آخر الليل؛ يعني به الذكر والعبادة في آخر الليل، وعبر فيها بالتبعيض لأن عمل الليل أشق من عمل النهار، وهذه الأوقات أطيب أوقات المسافر، فكأنه صلى الله عليه وسلم خاطب مسافرا إلى مقصده فنبهه على أوقات نشاطه؛ لأن المسافر إذا سافر الليل والنهار جميعا انقطع وعجز، وإذا تحرى السير في هذه الأوقات المنشطة أمكنته المداومة من غير مشقة، وحسن هذه العبارة الاستعارة أن الدنيا في الحقيقة دار نقلة إلى الآخرة، وأن هذه الأوقات بخصوصها أروح ما يكون للبدن في العبادة. نقله ابن زكري.

ومصابرة العدو الكثير؛ يعني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مخصوص بأنه يجب عليه أن يصابر العدو الكثير، أتي يجب عليه أن يقاتلهم ويحرم عليه أن يفر عنهم ولو زادوا على الضعف، ولو أهل الأرض؛ لأنه موعود بالعصمة، لقوله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}، أي من قتلهم، فلا ينافي أنه شج في وجهه وكسرت رباعيته. قاله الشيخ عبد الباقي.

ومن خصائصه صلى الله عليه وسلم أنه فئة للمسلمين ولو كان مقيما بالمدينة، فيجوز للجيش أن ينحاز إليه ولا يكون ذلك فرارا، بخلاف غيره من الأئمة فإنما يكون فئة إذا برز مع الجيش فيكون فئة لمن خرج من السرايا. والله أعلم. ذكره ابن رشد في أول رسم من سماع ابن القاسم. قاله الإمام الحطاب. وقال الشيخ إبراهيم عند قوله "ومصابرة العدو الكثير": الزائد على الضعف ولو مع الخوف لأنه موعود بالعصمة، وأما ما وقع له من شج رأسه ونحوه فكان قبل نزولها، أو أن قوله: من الناس؛ أي من قتلهم، ولم ينقل أن المصطفى صلى الله عليه وسلم انهزم في موطن قط. انتهى. كيف؟ وهو صلى الله عليه وسلم ما ولى العدو ظهره قط، قال الشبراخيتي: وسيأتي أن من زعم أنه انهزم يقتل. انتهى. وقوله: "العدو الكثير"، قد علمت أنه يجوز لأمته الفرار إن لم يبلغوا نصف العدو.