للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال أول الآية {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ}: واختلف في معناها على أقوال أصحها قإل ابن عباس أيضا: إن معناه لا يحل لك النساء من بعد من عندك منهن: وقال الأقفهسي: واختلف هل نسخ هذا التحريم أم لا؟ وحمل كلام المص على هذا الأخير؛ أعني قوله: لا يحل لك النساء من بعد، والظاهر أن المراد الأول. والله أعلم. قاله الحطاب. وعلى القول بأن قوله تعالى: {لَا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} قد نسخ، فهو منسوخ بقوله تعالى: {إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ} لتكون له المنة بترك التزويج عليهن وهو من خصوصيته قبل النسخ.

ونكاح الكتابية؛ يعني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مخصوص بأنه يحرم عليه نكاح الكتابية الحرة، وأما الأمة الكتابية فيشاركه في تحريمها غيره، وخص صلى الله عليه وسلم بذلك لأنه صلى الله عليه وسلم أشرف من أن يضع نطفته الشريفة في رحم كافرة، ولأنه تكره صحبتهم ولخبر: (سألت ربي أن لا أتزوج إلا من كان معي في الجنة فأعطاني (١)) قال الإمام الحطاب؛ وكذا يحرم عليه وطء الأمة الكتابية بملك اليمين على ما اختاره ابن العربي، وقال الشارح: إن التسري بها حلال على الأصح، وقال الشبراخيتي: ونكاح الكتابية؛ لأنه أشرف من أن يباشر كافرة أعم من أن تكون المباشرة بوطء أو غيره، ولقوله تعالى: {وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ}، ولا يجوز أن تكون الكافرة أم المؤمنين، ولحديث: (زوجاتي في الدنيا زوجاتي في الجنة) (٢): والجنة حرام على الكافر، وأما الكافرة غير الكتابية فلا يحل نكاحها للنبي صلى الله عليه وسلم ولا لغيره.

والأمة؛ يعني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مخصوص بأنه يحرم عليه نكاح الأمة المسلمة؛ لأن نكاحها إنما يجوز لخوف العنت وعدم الطول، وكلاهما منتف في حقه صلى الله عليه وسلم، أما خوف العنت فلعصمته، وأما عدم الطول فلأنه صلى الله عليه وسلم له أن يتزوج بغير مهر، بخلاف غيره فإنه لابد في نكاحه من المهر إما ابتداء أو انتهاء كما في


(١) المعجم الأوسط للطبراني، رقم الحديث ٣٦٤٤.
(٢) التلخيص الحبير، ج ٣ رقم الحديث، ١٥٥٤.