للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مرتين؛ وهي بالنصب أي أسألك غفرانك، أو اغفر غفرانك، ووجه سؤال المغفرة هنا، قال ابن العربي: هو العجز عن شكر النعمة في تيسر الغذاء؛ وإيصال المنفعة، وإخراج فضلته. وقال غيره: إنما ذلك لتركه الذكر حال الخلاء، فإنه صلى الله عليه وسلم كان لا يترك الذكر إلا عليه، فرَآه تقصيرا. قال في الطراز: فيه نظر؛ لأنه إذا كان منهيا عن الذكر في تلك الحال، فإنه يثاب بتركه؛ وهذا مما يجب الحمد عليه لا الاستغفار، ونظر في الأول أيضا. لأن نعم الله لا تحصى، فكان يجب أن يستغفر متى أتته نعمة. وإنما الوجه أنه صلى الله عليه وسلم كان يكثر الاستغفار حتى إنه ليُعدُّ له في المجلس الواحد مائة مرة، فجرف على عادته؛ لأن من كان دأبه الاستغفار تجدد عند حركاته وتقلباته يستغفر الله تعالى. انتهى.

وقبله يعني أنه يندب لمريد قضاء الحاجة أن يأتي بالذكر الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوله قبل محل قضاء الحاجة؛ فإنه كان إذا دخل الخلاء، وفي رواية إذا أراد أن يدخل الخلاء، وفي أخرى إذا دخل الكنيف؛ يقول: اللهم إني أعوذ بك من الخبُث والخبائث الرجس النجس الضال المضل الشيطان الرجيم، والخبث بضم الباء جمع خبيث. ويروى بسكونها كما قاله الشيخ إبراهيم. والمراد بهم ذكران الشياطين والخبائث جمع خبيثة والمراد بها إناث الشياطين. واعلم أن التسمية تشرع عند دخول الخلاء؛ وضده، وتقدم على الاستعاذة عند الدخول، والظاهر تقديمها أيضا على الوارد بعده. قاله الشيخ عبد الباقي. وفي الحطاب: ويجمع مع هذا الذكر التسمية؛ فقد تقدم أن من المواضع التي تشرع فيها التسمية الدخول للخلاء والخروج منه؛ ويبدأ بالتسمية كما صرح به في الإرشاد. انتهى. ولفظ الإرشاد: ويقدم رجله اليسرى قائلا: (بسم الله اللهم إني أعوذ بك من الخبث (١)): وكان صلى الله عليه وسلم معصوما من الشياطين؛ حتى الموكل، وقال صلى الله عليه وسلم: (ستر ما بين الجن وبين عورة بني آدم إذا دخل الكنيف أن يقول بسم الله (٢) وكان صلى الله عليه وسلم بعد نزول: والله يعصمك من الناس معصوما حتى من الإذاية في ظاهر الجسم. فهو معصوم من الناس بلا شرط الاستعاذة، ومغفور له بلا شرط الاستغفار؛


(١) الإتحاف، ج ٢ ص ٣٣٩.
(٢) ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم إذا دخل أحدهم الخلاء أن يقول بسم الله. الترمذي، رقم الحديث ٦٠٦.