للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتحصل مما مر أن جعل المص المشيئة لله تعالى مما لا يعلم حالا ولا مئالا معترضٌ، وأن الحق أنه إنما ألزمه مالك الطلاق لأنه محقق الوقوع، وأما مشيئة الملائكة ومشيئة الجن فما قاله فيهما مسلم.

مسألة: سئل ابن أبي زيد عمن حلف بطلاق زوجته ما أنه إلا فلان بن فلان؛ فأجاب: لا حنث عليه، وأجاب القابسي بأنه حانث لأنه يمين غموس، قال البرزلي: قلت: إن كان مقصوده أنه ينسب إلى أبيه لا إلى غيره فهو بار في يمينه، وإن أراد في نفس الأمر فيجري على اليمين في غلبة الظن أنه كالشك والوهم، ولهذا قال: غموس.

أو صرف المشيىئة على معلق عليه يعني أن الزوج إذا قال لزوجته: أنت طالق إن دخلت الدار إن شاء الله وصرف المشيئة للمعلق عليه؛ أي نوى أن المشيئة راجعة للدخول المعلق عليه فإنه ينجز عليه الطلاق إن حصل الدخول المعلق عليه؛ وإلا لم يقع عليه طلاق؛ وكذا ينجز عليه الطلاق بالأولى إذا صرف المشيئة للمعلق وهو الطلاق، وكذا إن لم تكن له نية بصرفه لواحد منهما بشرط حصول الدخول في القسمين الأخيرين كالأول، وقوله: "أو صرف المشيئة على معلق عليه" هو قول ابن القاسم، وذهب ابن الماجشون وأشهب إلى أنه لا طلاق عليه؛ واختاره جماعة من الشيوخ، وبه قال أصبغ ولو دخلت.

ابن رشد: قول ابن القاسم مبني على مذهب القدرية، والمقابل مبني علي مذهب أهل السنة؛ لأن قول القائل أنت طالق إن لم أدخل إن شاء الله إذا صرف المشيئة إلى المعلق عليه هو إن امتنعت من الدخول بمشيئة الله فلا شيء عليَّ، وكذا قوله: أنت طالق إن دخلت الدار إن شاء الله هو إن شا" الله دخولي فلا شيء علي، وقد علم في السنة أن كل الواقع في الوجود بمشيئة الله تعالى فامتناعه إذا من الدخول في الوجه الأول ودخوله في الوجه الثاني بمشيئة الله فلا يلزمه طلاق؛ لأن ذلك هو الذي التزمه، وأما القول بلزوم الطلاق فمقتضاه أن الدخول وعدمه واقع على خلاف المشيئة وهو محال عند أهل السنة، وأجاب ابن عرفة ونصه: رد المشيئة للفعل في هذه المسألة يحتمل تفسيره بأن تعلق مشيئة الله بالفعل موجب تعلق الحلف به أو بأن تعلقها به يمنع تعلق الحلف به، فابن رشد بناه على الثاني فلزم ما ألزم.