للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يجب إنكاره، وليس المتطوع منصوبا للاستعداء، وأيضا فإن له أن يتخذ على الإنكار أعوانا لأنه عمل هو له منصوب وإليه مندوب، ليكون له أقهر وعليه أقدر، وليس للمتطوع أن ينصب لذلك، وأيضا فإن له أن يعزر على المنكرات الظاهرة ولا يتجاوزها إلى الحدود، وليس للمتطوع أن يعزر على منكر، ويجب أن يكون من ولي النظر في الحسبة فقيها في الدين، قائما مع الحق، نزيه النفس، علي الهمة، معلوم العدالة، ذا أناة وحلم وتيقظ وفهم، عارفا لجزءيات الأمور وسياسة الجمهور، لا يستفزه طمع، ولا تأخذه في الله لومة لائم، مع مهابة تمنع من الإدلال عليه. وتوافق الحسبة القضاء في وجهين، الوجه الأول: جواز الاستعداء إليه وسماعه دعوى المدعى عليه في حقوق الآدمي، وليس ذلك في عموم الدعاوي، وإنما يختص بثلاثة أنواع، أحدها: أن تكون فيما يتعلق ببخس أو تطفيف في كيل أو وزن، والثاني: فيما يتعلق بغش أو تدليس في مبيع أو ثمن، والثالث: فيما يتعلق بمطل أو تأخير لدين مستحق مع المكنة. والوجه الثاني. أن له إلزام المدعي عليه الخروج من الحق الذي عليه، وليس هذا على العموم في كل الحقوق، وإنما هو خاص بالحقوق التي جاز له سماع الدعوى فيها إذا وجبت باعتراف، وليس له سماع الدعاوي الخارجة عن ظهور المنكرات من الدعاوي في العقود والمعاملات وسائر الحقوق والمطالبات، ولا يجوز له النظر فيما يدخله التجاحد والتناكر؛ لأن الحكم فيها يتوقف على سماع البينات وإحلاف اليمين، ولا يجوز ذلك للمحتسب، وإنما ذلك للقضاة والحكام، ويجب أن يمنع الناس من الحكرة إذا أضرت بالناس وكانوا بحال ضيق وشدة، ويأمر في وقت الشدة بإخراج الأطعمة إلى السوق يباع فيه ولا يباع في الدور، ومن احتكر طعاما في وقت الرخاء وحدث غلاء السعر فهل يجبر على إخراجه للناس؟ قولان؛ وكان بالكوفة محتسب لم يترك مؤذنا يؤذن إلا معصوب العينين من أجل التكشف على دور الناس، ومن صفات المحتسب أن يستعمل اللين من غير ضعف، والشدة من غير عنف، حتى لا ترجى لكثرة التيقظ غفلته، ولا يؤمن على ذي منكر سطوتة، يكتفي في أدب الجاني أول مرة بالتوبيخ والزجر، وفي الثانية بالسجن والوعيد، وفي الثالثة بالضرب والشهرة، فإن استمر على سوء فعله تابعه في التنكيل وجعل أهم أموره تفقده لسقوط الثقة به حتى يتوب أو يرتفع عن سوق المسلمين، ويقدم من ثقات أهل السوق ووجوه أرباب الصنائع من تعرف ثقته وينفع المسلمين نصحه ومعرفته، يستظهر بهم على سائرهم