وإنما كان مزكيا لنفسه؛ لأنه يرى أنه متقن للعبادة وهو مسيء للظن بعباد الله؛ لأنه يعتقد نقصان من لم يفعل كفعله، ومعتمد على عمله؛ لأن الشرع أمره بالتلهي عنه فأعرض عنه، وجعل يتكلف تحصيل التمام في نفس الأمر وهو مأمور بترك فعل ما شك فيه. وأنفع علاج في دفع الوسوسة: الإقبال على ذكر الله، والإكثار منه، والتلهي عنها، والعلم بأن أحدا لن يقدر الله حقَّ قدره وإن عمل بما علم، والإكثار من قول سبحان الملك الخلاق. و {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ (١٩) وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ}. وكذا قراءة:{وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا}؛ إلى {نُفُورًا}. وقال السيد الجليل أحمد بن أبي الحواري: شكوت إلى أبي سليمان الداراني الوسواس، فقال: إذا أردت أن ينقطع عنك في أي وقت أحسست به فافرح، فإذا فرحت به انقطع عنك؛ لأنه لا شيء أبغض إلى الشيطان من سرور المؤمن، فإذا اغْتَمَمْت به زادك. وقال بعض العلماء: إن الوسواس لا يبتلى به إلَّا من كمل إيمانه؛ لأن اللعين لا يقصد بيتا خربا. انتهى. وقد قالوا إنها لا تدوم إلَّا على جاهل أو مهوس. ومن حدثت له الوسوسة فيكتب قوله تعالى:{وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ} إلى قوله: {فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} بزعفران وماء ورد يوم الجمعة في سبع ورقات. ويبلع كل يوم ورقة ويشرب عليها جرعة ماء: فإنه يبرأ من ذلك بإذن الله عزَّ وجلَّ. وعن عثمان بن أبي العاصي رضي الله عنه قال: قلت (يا رسول الله إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها على فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ذلك شيطان يقال له خنزب فإذا أحسست به فتعوذ بالله منه، واتفل على يسارك ثلاثًا، قال ففعلت ذلك فأذهبه الله عنه (١)). قال الشيخ محيي الدين النووي في شرح مسلم: خنزب بخاء معجمة ثم نون ساكنة ثم زاي مفتوحة ثم باء، واختلف العلماء في ضبط الخاء فإنهم من فتحها، ومنهم من كسرها، ومنهم من ضمها. حكاه ابن الأثير. في نهاية الغريب. والمعروف الفتح والكسر. قاله الشبراخيتي.