للاصفرار يعني أن الوقت المختار للعصر مبدؤه من آخر وقت الظهر، ويمتد إلى الاصفرار بخروج الغاية لقوله عليه الصلاة والسلام:(وقت العصر ما لم تصفر الشمس (١)) رواه مسلم، وهذا مذهب المدونة. وروى ابن عبد الحكم عن الإمام مالك أن آخر وقتها أن يصير ظل كل شيء مثليه، قال في المنتقى: وصفرتها إنما تعتبر في الأرض والجدر، لا في عين الشمس. حكاه ابن نافع في المبسوط عن مالك. انتهى. وقال في الجواهر: وقت الاختيار ما دامت الشمس بيضاء نقية ما لم تصفر على الجدرات والأرض. وروى ابن عبد الحكم: إلى أن يصير زيادة ظل الشخص مثليه. قال القاضي أبو بكر: والقولان مرويان عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: وهما متساويان في المعنى؛ لأن الشمس لا يزال بياضها ناصعا حتى ينتهي الظل، فإذا أخذ في التثليث نقص البياض حتى تأخذ الشمس في التطفيل فتتمكن الصفرة. انتهى. ونحوه لابن بشير. والتطفيل: ميل الشمس للغروب. قاله في الصحاح.
واعلم أن الظل يكون غدوة وعشية، والفيء لا يكون إلا بعد الزوال، ولا يقال لما قبله فيء. وإنما سمي بعد الزوال فيئا؛ لأنه ظل فاء من جانب إلى جانب أي رجع، والفيء الرجوع، ومعنى الظل الستر، ومنه قولهم: أنا في ظلك، ومنه ظل الجنة: وظل شجرها إنما هو سترها، وظل الليل سواده؛ لأنه يستر كل شيء قاله الخطاب. عن ابن قتيبة. ونقل عن الجوهري أنه قال: قال ابن السكيت: الظل ما نسخته الشمس. والفيء ما نسخ الشمس. وحكي عن أبي عبيدة ما يوافق لابن قتيبة، والذي لابن قتيبة: هو الذي اختار النووي. قال الإمام الخطاب: وهو الظاهر. ولما ذكر الشيخ أن آخر وقت الظهر هو أول وقت العصر، لزم قطعا الاشتراك بينهما، كما في الحطاب، فصرح به ليبين في أي وقت هو، فقال:
واشتركتا يعني أن الظهر والعصر يشتركان في الوقت، والزمنُ الذي يشتركان فيه محدود بقدر فعل إحداهما أي أن الظهر والعصر يشتركان في الوقت المختار بقدر ما تصلى فيه إحداهما، إن كانتا سفريتين فإنهما يشتركان بقدر ما تصلى فيه ركعتان، وإن كانتا حضريتين فإنهما يشتركان