للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

مما تقدم أن ما نقل عن الأصمعي أنَّه قال: من المحال قول العامة العشاء الآخرة؛ لأنّه ليس لنا إلا عشاء واحدة فلا توصف بالآخرة. انتهى. غلط. للثلث الأوّل يعني أن الوقت المختار للعشاء ممتد من غروب حمرة الشفق إلى أن يذهب ثلث الليل الأوّل، فما بعد مغيب الشفق وقت مختار للعشاء إلى أن ينقضي جميع الثلث الأوّل، ويحسب الثلث من غروب الشمس. وفي الطراز: لا تختلف الأمة أن وقتها الاختياري ممتد. واختلف في منتهاه، فمشهور المذهب أنَّه إلى ثلث الليل كما جاء في حديث عمر (١))، وهذا قول مالك وابن القاسم وأشهب. وقال ابن حبيب وابن المواز: إلى نصف الليل. وقد وردت الأحاديث (٢) بما يدلّ لكل من القولين. قاله الإمام الحطاب. وقيل: إن وقتها المختار يمتد إلى طلوع الفجر. قاله الشيخ عبد الباقي. وقوله: "من غروب حمرة الشفق"، قال الشيخ إبراهيم: هو من إضافة الصفة للموصوف؛ أي الشفق الأحمر. انتهى.

قال جامعه عفا الله عنه: والظاهر أن إضافته بيانية؛ أي الحمرة التي هي الشفق كماء المطر. وسمع ابن القاسم كراهة النوم قبلها، قيل: فبعد الصبح، قال: ما أعلمه حراما، وسمع ابن القاسم: أكره تسميتها بالعتمة. وأستحب تعليم الأهل والولد تسميتها العشاء وأرجو سعة تكليم من لا يفهمها العشاء بالعتمة قاله الحطاب: وعلى القول المتقدم فقوبلت نعمة الذوق بالعشاء؛ لأنه يعرف بها الحلو، والحامض، والحرارة، والبرودة. والله سبحانه أعلم.

ولما فرغ من مختار العشاء، شرع يبين مختار الصبح فقال: وللصبح من الفجر الصادق يعني أن الوقت المختار للصبح مبدؤه من طلوع الفجر الصادق؛ وهو المستطير بالراء أي المنتشر عرضا فيعم الأفق، ومنه قوله تعالى: {كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} [الإنسان: ٧]، ومفهوم قوله: "الصادق" أن الفجر الكاذب لا عبرة به وهو كذلك وهو مستمر في جميع الأزمنة، خلافا لمن قال: إنه خاص ببعض الشتاء؛ وهو القرافي قائلا: إنه المجرة. انظر الحطاب. والفجر الكاذب هو المستطيل باللام كهيئة الطيلسان، ويشبه ذنب السرحان والأسد لظلمة لونه وبياض باطن ذنبه، وتُسَمِّيه العرب محلفا كأنَّ حالفا يحلف لقد طلع الفجر، وآخر يحلف أنَّه لم يطلع. والصبح من صلاة النهار، ولا حجة للأعمش


(١) الموطأ، كتاب وقوت الصلاة، رقم الحديث: ٦. (. . . والعشاء إذا غاب الشفق إلى ثلث الليل. . . .)).
(٢) مسلم في صحيحه، كتاب المساجد، رقم الحديث: ٦١٢. ولفظه: (. . . . ووقت العشاء إلى نصف الليل الأوسط. . .)).