بها. قال محمد بن رشد: أما الفاجر فلا يصدق أنه تصدق بها ويلزمه غرمها، وإنما اختلف في غير الفاجر فقيل: إن عليه الغرم لصاحبها إذا جاء إلا أن يشاء أن ينزل على أجرها كلقطة الدنانير والدراهم والعروض، وحكى ابن حبيب في الواضحة عن ملك من رواية مطرف عنه إذا وجد الشاة في العمران فعرفها فلم يجد صاحبها فأكلها أو تصدق بها أنَّه يغرم لصاحبها قيمتها يوم أكلها أو تصدق بها إلا أن يشاء أن يجيز الصدقة ويكون له أجرها وهو قول سحنون في نوازله من هذا الكتاب، وقيل: إنه لا ضمان عليه في الواشي إن تصدق بها أو بأثمانها بعد بلوغ ما عليه من التعريف بخلاف لقطة الدنانير والدراهم والعروض إذ لا يقدر على حبسها لعلفها، وهو قول ملك في الرسم الذي بعد هذا، ومثله في كتاب ابن عبد الحكم عنه، واختلف قول ملك أيضا هل له أن يأكلها بعد التعريف؟ فقال مرة: إن له أن يأكلها ويضمنها لصاحبها إن جاء، وهو قوله في رواية ابن عبد الحكم عنه، وفي رواية مطرف أيضا على ما حكى عنه ابن حبيب بخلاف لقطة الدنانير والدراهم، وقال مرة: ليس له أن يأكلها كما ليس له أن يأكل لقطة الدراهم والدنانير، لأن معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم (فشأنك بها) أنه مخير بين أن يمسكها لصاحبها ويزيد في تعريفها، وبين أن يتصدق بها ويضمنها لصاحبها إن جاء، إلا أن يشاء أن يجيز الصدقة ويكون له الأجر، ومن أهل المعلم من يجيز له أن يأكلها على وجه السلف على ظاهر الحديث غنيا كان أو فقيرا، وهو مذهب الشافعي، ومنهم من لا يجيز له أكلها إلا إذا كان محتاجا إليها وهو قول أبي حنيفة وأصحابه، وقول ابن وهب في رسم القسمة بعد هذا، ومنهم من لا يجيز ذلك له إلا أن يكون له بها وفاء إن جاء صاحبها وهو أظهر الأقوال وأولى بالصواب، فيتحصل في المسألة على هذا أربعة أقوال، أحدها: أن له استنفاقها بكل حال. والثاني: أن ليس له استنفاقها على حال. والثالث: أن ليس له استنفاقها إلا أن يكون محتاجا إليها. والرابع: أن ليس له استنفاقها إلا أن يكون له وفاء بها. والأظهر أن لا فرق بين لقطة الماشية إذا وجدها قريبة من العمران حيث يجب عليه تعريفها وبين لقطة الدنانير والدراهم في جواز أكلها على وجه السلف، ولا في وجوب الغرم عليه فيها لصاحبها إن تصدق بها. وبالله التوفيق.