للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بيروى أيضا، وقوله: إياك والبلا تحذير من الجور، والآية التي أشار إليها هي قوله تعالى: {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} أي الجائرون، وأما الأحاديث فالأولُ منها قوله صلى الله عليه وسلم: (القضاة ثلاثة قاضيان في النار وقاض في الجنة، قاض عمل بالحق في قضائه فهو في الجنة، وقاض علم الحق فجار متعمدا فذلك في النار، وقاض قضى بغير علم واستحيا أن يقول: إني لا أعلم فهو في النار (١)) وقد يتبين من هذا أن الوعيد في القاضي الجائر أو الجاهل، وأما من اجتهد في طلب الحق على علم فأخطأ فلا يلحقه الوعيد المذكور بل هو مأجور، لقوله عليه الصلاة والسلام: (إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر واحد (٢)). والثاني من الأحاديث قوله صلى الله عليه وسلم: (إن القاضي يأتي يوم القيامة مغلولة يداه إلى عنقه فيطلقها عدله ويوثقها جوره) نقله التيطي أول كتاب القضاء، ويحيى أي يبعث مضارع حيي. والثالث قوله صلى الله عليه وسلم: (من ولي القضاء فقد ذبح بغير سكين (٣)). وفي هذا الحديث تنبيه على عظم هذا الأمر لأن الغالب عدم السلامة إلا من عصمه الله تعالى. والرابع قوله صلى الله عليه وسلم: (إن أعتى الناس على الله وأبغض الناس إلى الله وأبعد الناس من الله رجل ولاه الله من أمر أمة محمد صلى الله عليه وسلم شيئا ثم لم يعدل بينهم).

وقوله صلى الله عليه: فقد ذبح بغير سكين أورده أكثر الناس في معرض التحذير من القضاء، وقال بعض أهل العلم: هذا الحديث دليل على شرف القضاء وعظم منزلته، وأن التولي له لمجاهد لنفسه وهواه، فجعله ذبيح الحق لتعظم له الثوبة، فقد استسلم لحكم الله وصَبَر على لمخالفة الأقارب والأباعد في خصوماتهم، فلم تأخذه في الله لومة لائم حتى قادهم إلى أمر الحق وكلمة العدل، وكفهم عن دعاوي الهوى والعناد. انتهى. وجاء عن عائشة أنه صلى الله عليه وسلم قال: (هل تدرون من السابقون إلى ظل الله يوم القيامة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: الذين إذا أعطوا الحق قبلوه، وإذا سألوه بذلوه، وإذا حكموا للمسلمين


(١) أبو داود، كتاب القضاء، رقم الحديث ٣٥٧١ والترمذي، كتاب الأحكام، رقم الحديث ١٣٢٥.
(٢) البخاري كتاب الاعتصام، رقم الحديث ٧٣٥٢ ومسلم، كتاب الأقضية، رقم الحديث، ١٧١٦.
(٣) أبو داود، كتاب القضاء، رقم الحديث ٣٤٧١ والترمذي، كتاب الأحكام، رقم الحديث ١٣٢٥.