واختيار ولا يدخله إكراه ولا إجبار، وعدل عنه إلى سواه من مستحقها ولو تكافأ في شروط الإمامة اثنان قدم إليها أشبههما، فإن بُويع أصغرهما سنا جاز، ولو كان أحدهما أعلم والآخر أشجع روعي في الاختيار حكم الوقت، فإن كانت الحاجة إلى فضل الشجاعة أدْعَى لانتشار الثغور وظهور البغاة كان الأشجع أحق، وإن كانت الحاجة إلى فضل المعلم لظهور البدع مثلا كان الأعلم أحق، فإن وقع الاختيار على أحد من متكافئين فتنازعا فقال بعض الفقهاء: يكون قدحا يمنعهما منها ويُعدل إلى غيرهما، والذي عليه جمهور الفقهاء والعلماء أن التنازع فيها لا يكون قدحا مانعا وليس طلب الإمامة مكروها، فقد تنازع فيها أهل الشورى فلم يرد على طالبها ولم يمنع منها راغب، وَاختلف الفقهاء فيما يقطع به تنازع المتكافئين، فقيل: يقرع بينهما، وقيل: يكون أهل الاختيار بالخيار في بيعة أيهما شاءوا من غير قرعة، وإذا تعين لأهل الاختيار واحد هو أفضل الجماعة فبايعوه ثم ظهر بعده من هو أفضل منه انعقدت إمامة الأول، ولو ابتدءوا بيعة المفضول مع وجود الأفضل نظر فإن كان ذلك لعذر دعا إليه من كون الأفضل غائبا أو كان المفضول أطوعَ في الناس وأقرب إلى القلوب انعقدت بيعة المفضول، وإن بويع لغير عذر فاختلف في انعقاد البيعة وصحة إمامته، والقول بصحتها هو قول الأكثر من الفقهاء والمتكلمين، وإذا انفرد في الوقت بشروط الإمامة واحد لم يشاركه فيها غيره تعينت فيه الإمامة ولم يجز أن يعدل بها عنه، واختلف في ثبوت إمامته وانعقاد ولايته بغير عقد ولا اختيار، فذهب فقهاء العراق إلى ثبوت ولايته وإن لم يعقدها أهل الاختيار، وذهب جمهور الفقهاء والمتكلمين إلى أنها لا تنعقد إلا بالرضى والاختيار، وإذا انعقدت الخلافة في بلدين لشخصين لم تنعقد لأنه لايجوز أن يكون إمامان في وقت واحد، وإن شذ قوم فجوزود فاختلف الفقهاء في الإمام منهما فقالت طائفة: هو الذي عقدت له الإمامة في البلد الذي مات فيه من تقدمه، وعلى كافة الأمة في الأمصار كلها أن يفوضوا عقدها إليهم ويسلموها لمن بايعوه، وقال آخرون: بل على كل واحد منهما أن يدفع الإمامة عن نفسه ويسلمها إلى صاحبه طلبا للسلامة وحسما للفتنة ليختار أهل العقد غيرهما، وقال آخرون: يقرع بينهما دفعا للتنازع، والصحيح في ذلك ما عليه الفقهاء أن الإمامة لأسبقهما مبايعة وعقدا، وعلى المسبوق تسليم الأمر إليه والدخول في بيعته، وإن عقدت الإمامة لهما في حال واحد ولم يسبق لها أحدهما