للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بالأثمان العظام، ويقصد بها الكبر والترفه والزينة، والجمال يكره السجود عليه. وأجاز ابن مسلمة الصلاة على ثياب القطن والكتان؛ لأنها مما تنبته الأرض؛ والأظهر ما ذهب إليه مالك، لأن ذلك مما فيه الترفه والأرض لا تنبته بطبعها، وإذا كانت العلة القصد إلى التواضع وترك ما فيه الترفه فالصلاة فيها مكروهة. قاله ابن رشد. ووقع في عبارة ابن عرفة: ويجوز على حائل من نبات لا يستنبت، وفي عبارة ابن رشد: الصلاة على حائل مكروهة إلا أن يكون الحائل مما يشاكل الأرض، ولا يقصد به الترفه والكبر كحصر الحلفاء والدوم وشبه ذلك مما تنبته الأرض بطبعها. قال الإمام الحطاب: ما ذكره؛ يعني ابن رشد وابن عرفة من تقييد النبات بما لا يُستَنْبَت لم أره لغيرهما، وعبارة المدونة: ولا بأس أن يسجد على الخمرة والحصير وما تنبت الأرض، ويضع كفيه عليها. انتهى. وعبارة ابن عرفة وابن رشد تقتضي أن السجود على الخمرة ليس بجائز؛ لأنها من النخل، وهي مما يستنبت، وقد أجاز ذلك في المدونة فعلى هذا فينبغي أن يقيد كلامهما بما عدا ما يستعمل من النخل.

وإذا كان السجود على ما تنبته الأرض مما لا رفاهية فيه ولا زينة غير مكروه، فتركه أحسن؛ أي أفضل فهو خلاف الأولى لخبر: (يا رباح عفر وجهك بالأرض) (١)؛ (ولأنه صلى الله عليه وسلم كان يسجد على الأرض، وقد يصبح على جبهته وأنفه أثر الماء والطين (٢)). وكان عمر بن عبد العزيز يؤتى بالتراب فتوضع على الخمرة بضم الخاء: حصير صغير من جريد، قدر ما يضع الرجل عليه وجهه في سجوده. سمي بذلك لأنه يخمر وجه الصلي أي يغطيه، ولذلك لم يفرش المسجدان الشريفان إلا بالرمل، فلو كان الفراش مستحسنا لفرشا بأحسنه. وقد علمت أن السجود على الثوب ونحوه مكروه، وأن السجود على الحصير الذي لا رفاهية فيه خلاف الأولى، والفرق بينه وبين المكروه أن تركه فيه ثواب أكثر من ترك خلاف الأولى.


(١) الترمذي، رقم الحديث: ٣٨١. ولفظه: … يا أفلح ترب وجهك … قال أبو عيسى وروى بعضهم عن أبى حمزة هذا الحديث وقال مولا لنا يقال له رباح.
(٢) البخاري، كتاب فضل ليلة القدر، رقم الحديث: ٢٠١٨. مسلم، كتاب الصيام، رقم الحديث: ١١٦٨.