للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (٥١)} (١).

وقد وسع الصحابة - رضي الله عنهم - والتابعين ذلك، فلم يخوضوا في علم الكلام، والحق في الاتباع وترك الابتداع. إضافة إلى أن علم الكلام يؤدي بأهله إلى الشك والحيرة؛ لاشتماله على مسائل مبتدعة، ومعاني باطلة، بنيت على أصول فاسدة، حيث عظموا العقل، وجعلوه حاكمًا على الكتاب والسنة، فضعف خضوعهم للكتاب والسنة، وقلَّت عنايتهم بهما، فعرضوا مسائل العقيدة وفق منهج كلامي، وقالب فلسفي جدلي، مما يؤدي إلى صرف الناس عن إدراك حقيقة العقيدة الصافية السهلة الواضحة. ثم إنهم أفنوا أعمارهم في توحيد الربوبية، وإثبات أدلة وجود الله تعالى، وهو أمِرٌ فطري، لا يحتاج إلى كل ذلك، وأغفلوا توحيد الألوهية، الذي خلِق الناس لأجله، كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (٥٦)} (٢). فلم يكن ما خاضوا فيه علمًا نافعًا، ولا منهجًا صائبًا، قال شيخ الإسلام ابن تيمية عنهم: "من أعظم الناس حشوًا وقولا للباطل وتكذيبًا للحق" (٣).

على أن من خاض من السلف في بعض المسائل التي لم تكن معروفة عند المتقدمين منهم، إنما فعل ذلك مضطرًا مجبرًا للدفاع عن الإسلام، ودفع شبه الملحدين والزنادقة، الذين يدّعون علم المعقول، ويطعنون في الكتاب والسنة، كما قال الإمام الدارمي (٤) -رحمه الله-:


(١) سورة العنكبوت، الآية: ٥١.
(٢) سورة الذاريات، الآية: ٥٦.
(٣) الفتاوى (٤/ ٢٧).
(٤) هو عثمان بن سعيد الدارمي الإمام الحافظ المحدث صاحب المسند طاف الأقاليم في طلب الحديث كان قويًّا على المبتدعة وله مصنفات في الرد عليهم توفي سنة (٢٨٠ هـ). سير أعلام النبلاء (١٣/ ٣١٩)، تاريخ دمشق (٣٨/ ٣٦١).

<<  <   >  >>