للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المبحث الأول الروح]

تباينت الأقوال في الروح ما هي، وهل هي النفس أم لا؟ ثم تعلق هذه الروح بالجسد ومستقر الأرواح بعد الموت إلى غير ذلك من المباحث المتعلقة بهذه المسألة. وقد بيَّن شارح الطحاوية أن النفس تطلق على أمور، وكذلك الروح فيتحد مدلولها تارة ويختلف تارة. فالنفس تطلق على الروح، ولكن غالب ما تسمى نفسًا إذا كانت متصلة بالبدن، وأما إذا أخذت مجردة فتسمية الروح أغلب عليها" (١).

وقد تعرض القرطبي لهذه المسألة، وبيَّن الاختلاف الواقع فيها، حيث قال: "اختلف الناس في الأرواح قديمًا وحديثًا ما هي؟ وعلى أي حال هي؟ اختلافًا كثيرًا، واضطربوا فيها اضطرابًا شديدًا، الواقف عليه يتحقق أن الكل منهم على غير بصيرة منها، وإنما هي أقوال صادرة عن ظنون متقاربة، ولا يشك في أنه مما انفرد الله تعالى بعلم حقيقته، وعلى هذا المعنى حمل أكثر المفسرين قوله تعالى: {قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا (٨٥)} (٢) فليقطع العاقل طمعه من علم حقيقته، ولينظر هل ورد في الأقوال الصادقة ما يدل على شيء من صفته؟ وعند تصفح ذلك واستقراء ما هنالك يحصل للباحث: أن الروح أمر ينفخ في الجسد ويقبض منه ويتوفى بالنوم والموت ويؤمن ويكفر ويعلم ويجهل ويفرح ويحزن ويتنعم، ويتألم، ويخرج، ويدخل، والإنسان يجد من ذاته بضرورته قابلًا للعلوم وأضدادها وللفكر وأضدادها، ولغير ذلك من


(١) شرح الطحاوية (٢/ ٥٦٧).
(٢) سورة الإسراء، الآية: ٨٥.

<<  <   >  >>