للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المطلب الأول: منهج السلف في الصفات]

إن منهج السلف في صفات الله تعالى وسطٌ بين المعطلة من الجهمية والمعتزلة ومن سلك مسلكهم، وبين الأشاعرة وغيرهم من الذين يلحدون في ذلك ويعطلون حقائق ما وصف الله به نفسه عز وجل وبين الممثلة من غلاة الكرامية وغلاة الرافضة الذين يضربون لله عز وجل الأمثال ويشبهونه بالمخلوقات.

وكلا المذهبين مجانب للحق والصواب، والمذهب الصحيح ما عليه سلف الأمة من الصحابة والتابعين، ومن اقتدى بهم، إذ هو الصراط المستقيم، فهم يؤمنون بما وصف الله به نفسه، أو وصفه به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من صفات الجلال والكمال حقيقة على الوجه الذي يليق به تعالى، وينفون عنه ما نفاه سبحانه عن نفسه أو نفاه عنه رسوله -صلى الله عليه وسلم- من صفات النقص التي لا تليق به سبحانه، وعمدتهم في هذا: الأدلة الواردة في الكتاب والسنة من غير تكييف ولا تمثيل، ومن غير تحريف ولا تعطيل {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (١١)} (١).

قال محمد بن الحسن (٢): "اتفق الفقهاء كلهم من المشرق إلى المغرب على الإيمان بالقرآن والأحاديث التي جاء بها الثقات عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في صفة الرب عز وجل من غير تفسير ولا وصف ولا تشبيه، فمن فسر اليوم شيئًا من ذلك فقد خرج مما كان عليه النبي -صلى الله عليه وسلم-، وفارق الجماعة، فإنهم لم يصفوا، ولم يفسروا، ولكن أفتوا بما في الكتاب


(١) سورة الشورى، آية: ١١.
(٢) محمد بن الحسن بن فرقد الشيباني فقيه العراق وصاحب أبي حنيفة وقد أخذ عنه الشافعي كان من الفقهاء الأذكياء توفي بالري سنة (١٨٩ هـ). تاريخ بغداد (٢/ ١٧٢)، سير أعلام النبلاء (٩/ ١٣٤).

<<  <   >  >>