لقد عاش المازري في النصف الأخير من القرن الخامس، والثلث الأول من السادس.
وقد رأينا في الحالة السياسية الأحداث المعاصرة لحياته من حروب واضطرابات تعرضت لها بلاده من الأعراب والنصارى، مما يترتب عليه تأثير على الحياة العلمية في تلك البلاد. إضافة إلى أن حياته كانت تحت ظل دولة ترضخ للحكم الفاطمي الشيعي وما يضمره من عداء للسنة والقائمين بها والمنافحين عنها، ولذا أثرت هذه الظروف على الحياة العلمية.
فالغموض الذي صاحب حياة المازري خصوصًا في نشأته الأولى، فلم يُعرف من شيوخه سوى أربعة - بعد البحث والتحري - رغم كثرتهم، وهو العلم البارز - أثر من آثار هذا التأثير.
فغالب تأثير الحياة السياسية في عصره على الحياة العلمية ينصب في ضياع ذلك التراث العلمي الضخم للعلماء في ذلك العصر، وقلة المعلومات عنهم، والمازري - وهو العلم البارز - مثل لذلك بغموض حياته وضياع معظم مؤلفاته.
ولكن رغم هذه الظروف الصعبة، والحملة الشيعية الظالمة إلَّا أن العلماء لم يتخلَّو عن واجبهم ولم يغفلوا عمَّا أُنيط بهم من نصرة الدين، ونصيحة الأمة، والقيام بواجب العلم، بل كلما ازدادت المحنة عظمت المهمة، فلم تقتصر على التدريس فقط في حلق العلم ومجالس الذكر، وهو ما حدث من علماء إفريقية في هذا العصر، بل قاوموا الدعوة الفاطمية الشيعية، رغم دخولهم راغمين تحت سلطانها.