للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[٤ - الجهة والتحيز]

وقد توصلوا بهذين اللفظين إلى نفي علو الله تعالى على خلقه، واستوائه على عرشه، ونزوله إلى السماء الدنيا (١).

فيقال لهم: لفظ الجهة من الألفاظ المجملة التي تحتمل حقًّا وباطلًا، فيقال لمن أطلقه: ماذا تقصد بلفظ "الجهة" الذي تنفيه عن الله تعالى؟

فإن أردت بذلك نفي السفل أو نفي أن يكون الله تعالى في داخل المخلوقات تحيط به فهذا المعنى صحيح، ولكن إطلاق لفظ جهة لا يوافق عليه؛ لأنه لم يرد في كتاب ولا سنة فلا يجوز إطلاقه، وإلَّا فمن المعلوم أن الله تعالى عالٍ على خلقه مستوٍ على عرشه، ليس في داخل المخلوقات ولا تحيط به سبحانه وتعالى عن ذلك فهو مباين لخلقه غير مختلط بهم.

وأما إن أردت بنفي الجهة نفي علو الله تعالى على خلقه واستوائه على عرشه، فهذا باطل مخالف للعقل والنقل؛ لأن هذه الصفات لله تعالى ثابتة بالأدلة القاطعة، فلا يكون هذا اللفظ الحادث سببًا في نفي ما ثبت لله تعالى من صفات الكمال" (٢).

وأمَّا التحيز فيقال: إن أردتم به أن الله تعالى يحوزه شيء فالله تعالى منزه عن هذا، إذ ما ثم إلَّا الخالق والمخلوق، وقد علم بصريح العقل أن الله لا يحل في خلقه، ولا يحله شيء من خلقه، فإذا كان كذلك واستحال أن يوصف بجهة السفل - كما يوافق الأشعرية على ذلك - لم يبق إلَّا أن


(١) انظر: التبصير في الدين للأسفراييني ص (٩٨) والفرق بين الفرق للبغدادي ص (٣٣٣).
(٢) انظر: نقض أساس التقديس لابن تيمية (٢/ ١١٧ - ١١٩) ودرء تعارض العقل والنقل لابن تيمية (١/ ٢٥٣, ٢٥٥).

<<  <   >  >>