للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال القرطبي: "وقد بيَّن كيفية رفع العلم وظهور الجهل في حديث عبد الله بن عمرو الذي قال فيه: "إن الله لا يقبض العلم انتزاعًا ينتزعه من الناس، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء ... " الحديث (١). وهو نصٌّ في أن رفع العلم لا يكون بمحوه من الصدور، بل: بموت العلماء وبقاء الجهال الذين يتعاطون مناصب العلماء في الفتيا والتعليم يفتون بالجهل ويعلمونه فينتشر الجهل ويظهر، وقد ظهر ذلك ووجد على نحو ما أخبر به -صلى الله عليه وسلم- فكان ذلك دليلًا من أدلة نبوته، وخصوصًا في هذه الأزمان، إذ قد ولي المدارس والفتيا كثير من الجهال والصبيان وحرمها أهل ذلك الشأن" (٢).

٤ - أن تلد الأمة ربَّتها:

قال -صلى الله عليه وسلم- في أمارتها: "أن تلد الأمة ربتها" (٣). قال القرطبي: "الأمة - هنا- هي: الجارية المستولَدة، وربها: سيدها ... واختلف في معنى قوله: "أن تلد الأمة ربتها" على ثلاثة أقوال: أحدها: أن المراد به أن يستولي المسلمون على بلاد الكفر فيكثر التسرّي فيكون ولد الأمة من سيدها بمنزلة سيدها لشرفه بأبيه، وعلى هذا فالذي يكون من أشراط الساعة استيلاء المسلمين على المشركين وكثرة الفتوح والتسرّي.

وثانيها: أن يبيع السادة أمهات أولادهم ويكثر ذلك، فتتداول الأمهات المستولدة، فربما يشتريها ولدها أو ابنتها ولا يشعر بذلك، فيصير ولدها ربَّها، وعلى هذا فالذي يكون من الأشراط غلبة الجهل


= كتاب العلم، باب رفع العلم وقبضه وظهور الجهل والفتن في آخر الزمان ح ٢٦٧١ (١٦/ ٤٦٢).
(١) رواه البخاري في كتاب العلم، باب كيف يقبض العلم ح ١٠٠ (١/ ٢٣٤)، ومسلم في كتاب العلم، باب رفع العلم وقبضه وظهور الجهل والفتن في آخر الزمان ح ٢٦٧٣ (١٦/ ٤٦٥).
(٢) المفهم (٦/ ٧٠٥).
(٣) سبق تخريجه ص (١٣٧).

<<  <   >  >>