للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وافقوا الجهم بن صفوان في أصل قوله في الجبر، وإن نازعوه في بعض ذلك نزاعًا لفظيًّا أتوا بما لا يعقل ... وبالغوا في مخالفة المعتزلة في مسائل القدر حتى نسبوا إلى الجبر" (١).

[المطلب الثاني: هل يقع في القدر تغيير وتبديل أو محو وإثبات؟]

دلَّت ظواهر بعض النصوص على أن القدر يمكن أن يقع فيه تغيير وتبديل أو محو وإثبات، كقوله تعالى: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ} (٢)، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "من سرَّه أن يُبْسَطَ له في رزقه، وأن يُنْسَأ له في أثره فليَصِلْ رَحمه" (٣).

فهذان النصَّان وما يماثلهما تُشْكِل مع ما سبق من أن القدر لا يتغير وأن القلم قد جفَّ بما هو كائن.

وقد أورد القرطبي والمازري بعض صور الجمع بين هذه النصوص واتفقا على أن ما في علم الله سبحانه وتعالى ثابت لا يتغير ولا يتبدل.

قال القرطبي في شرحه للحديث السابق: "معنى التأخير هنا في الأجل -وإن كانت الآجال مقدرة في علم الله لا يزاد فيها ولا ينقص-: أنه يبقى بعده ثناء جميل، وذكر حميد، وأجر متكرر، فكأنه لم يمت، وقيل معناه: يؤخر أجله المكتوب في اللوح المحفوظ والذي في علم الله ثابت لا تبديل فيه، كما قال تعالى: {يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ (٣٩)} أي: أصل المكتوب في اللوح المحفوظ، وهو علم الله


(١) منهاج السنة (٤٦٣/ ١، ٤٦٤).
(٢) سورة الرعد، الآية: ٣٩.
(٣) أخرجه البخاري في كتاب الأدب باب من بسط له في الرزق بصلة الرحم ح (٥٩٨٥) (١٠/ ٤٢٩). ومسلم في كتاب البر والصلة والأداب باب صلة الرحم وتحريم قطيعتها ح (٢٥٥٧) (١٦/ ٣٥٠).

<<  <   >  >>